عندما احتلت أميركا أفغانستان، وقضت على حكم طالبان بحجة أنه رفض رفع حمايته عن تنظيم القاعدة، بدا وكأن الأصولية تلقت ضربة حولت وجهة الإسلام السياسي من التطرف إلى الاعتدال. وقد كتب كثيرون مرحبين بهذا التطور، بعد أن أحدثت القاعدة انعطافا خطيرا في موقع الإسلام السياسي من العصر وموقفه من مشكلاته، وهددت بإخراجه منه وبمحاربته من خارجه. ولأن الإسلام لم يفر يوما من أية معركة فرضت عليه، وعمل دوما على تطوير وسائله ورؤاه، لمواجهة ما قد يتعرض له من مخاطر، حربا وسلما، فإن القاعدة بدت غير إسلامية في دعوتها إلى الانكفاء على الذات والغربة عن العالم، وإلى خوض حرب لا تتوقف ضده، ورفض أي حوار معه.
دخلت أميركا أفغانستان، فخرج الخطر من مكمنه وانتشر في العالم الإسلامي، وسوغ دخولها دعوة طالبان والقاعدة إلى العنف بوصفه اللغة المناسبة والفاعلة في التخاطب مع بقية المسلمين ومع العالم، فكان في كسب أميركا الظاهري، الذي تبين أنه كسب خادع، ضررا جسيما لحق بالمسلمين وإساءة جدية لهم ولعلاقاتهم مع بعضهم ومع الآخرين. واليوم، وأميركا تواجه صعوبات الحرب التي امتدت من أفغانستان إلى البلدان المجاورة ومناطق من العالم الإسلامي، نجدها ترفض ما يقترحه عليها من هم أكثر علما منها بأحوال المسلمين، وتطالبهم بتأييدها دون تحفظ، رغم أنها تتخبط بصورة واضحة في كل مكان: من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق إلى اليمن والصومال، بينما تظهر على أجهزتها الأمنية والعسكرية أعراض الوهن النفسي والتعب العقلي، وتعجز حتى عن حماية بلادها.
هنا أيضا، تتسبب سياسات أميركا في إنزال ضرر شديد بالعالم الإسلامي، وتبدو وكأنها تدفع به إلى معركة تختلف نظرته إليها عن نظرتها، وأساليبه في معالجتها عن أساليبها.
ترتكب أميركا أخطاء تضر بنا وتجبرنا على التنصل من سياساتها وتحصين أنفسنا ضدها، كي لا نغرق في المستنقع الذي أغرقت نفسها فيه. يقال (إن الرجل العادي يعرف كيف ينجو بنفسه، أما الرجل الذكي فهو من لا يورطها أصلا في المتاعب)!. إلى متى نبقى نحن العرب في موقع الرجل ما دون العادي؟!.