Culture Magazine Thursday  01/04/2010 G Issue 304
حوار
الخميس 16 ,ربيع الثاني 1431   العدد  304
 
عبدالقدوس أبو صالح للثقافية:
معارضو (الأدب الإسلامي) يدورون حول سبع شبهات منها شبهة (المصطلح)

حوار - فتح الرحمن يوسف

ظهر مصطلح (الأدب الإسلامي) منذ أكثر من ثلاثين سنة عقب إنشاء (الرابطة العالمية للأدب الإسلامي) وهذا المصطلح قوبل باستحسان وقبول عند بعضهم، بينما لقي الرفض عند بعضهم الآخر بحجة عدم المزايدة على عقائد المسلمين والدخول في نواياهم وانطلاقاً من الآية الكريمة التي تنهى عن تزكية النفس (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)، التقت الثقافية الدكتور عبدالقدوس أبو صالح أمين رابطة الأدب الإسلامي الذي أبدى غضبه في البداية على الرافضين لمصطلح (الأدب الإسلامي) وتحدث عن اعتراض بعض النقاد على تصنيف الأدب إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي، كما تحدث عن المد الأدبي الثقافي اليساري الذي حاول مصادرة الهوية والثقافة الإسلامية لدى كثير من المثقفين العرب، كما تحدث عن رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمكاتبها التي بلغت (16) مكتباً في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وكان لها دور كبير في مواجهة الحداثة المنحرفة مع الدعوة إلى التحديث والتجديد الفني الملتزم بثوابت الدين الذي لا يقبل القطيعة مع التراث ولا التنكر لهوية الأمة وثقافتها الإسلامية الأصيلة مع التزام الاعتدال والبعد عن التطرف. وأكد الدكتور عبدالقدوس أبو صالح أن الأدب الإسلامي موجود منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا وكتب بحثاً مطولاً بعنوان (شبهات حول الأدب الإسلامي) كما تحدث الضيف الكريم عن إمكانية لتوحيد الأمة الإسلامية من خلال الأدب الإسلامي وهو بحث قديم نشره في أول عددٍ من مجلة الأدب الإسلامي التي تصدرها الرابطة.

اعترض بعض النقاد على تصنيف الأدب إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي.. وحجتهم في هذا الاعتراض أن هذا التصنيف يشمل نتاج أدباء مسلمين، فما هو ردكم على هذا الاعتراض؟

- أقول: إن الأدباء المسلمين ينتمون إلى شعوب متعددة، ويكتبون بلغات شتى، ويصدرون في أدبهم عن نظرتهم إلى الوجود، وعن ظروفهم الشخصية وتجاربهم في الحياة، وشأنهم في ذلك كله هو شأن غيرهم من أدباء الأمم الأخرى.

ومن البدهي أن يكون نتاج الأديب المسلم موافقاً للإسلام أو لا يكون مخالفاً لثوابته، ومع ذلك فإننا نجد لدى بعض الأدباء المسلمين كتاباً أو شعراء ما يضاد الإسلام لأن صلتهم بالإسلام لا تعدو لكونهم يحملون أسماء إسلامية، أو أن في هوياتهم الرسمية ما يفيد أن صاحب الهوية «مسلم».

وعندما يصنف الأدب مهما كان قائله أو لغته أو عصره إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي، فهذا التصنيف يعتمد على مضمون النص الأدبي بغض النظر عن شخصية صاحبه ودينه وتوجهه الفكري.

وبناء على ما تقدم نستطيع أن نقسم النتاج الأدبي أياً كان نوعه أو عصره أو قائله على دوائر ثلاث:

1- أولاها دائرة الأدب الملتزم بالتصور الإسلامي، وهي دائرة لا تقتصر على أدب الدعوة بل تتسع لتشمل أي موضوع يدور حول الكون والحياة والإنسان.

2- والثانية دائرة الأدب المباح، وهو أدب لا يخالف التصور الإسلامي وإن لم يلزمه، وهي دائرة تتسع للأدب الجمالي المحض أو لأدب التسلية والترويح عن النفس.

3- وأما الدائرة الثالثة فهي دائرة الأدب الذي يخالف التصور الإسلامي ويضاده، وهذا الأدب هو الذي يرفضه الأدب الإسلامي. ويعد التصدي له من أول واجباته ومهماته، لأنه أدب العقائد والمذاهب «الأيديولوجيات» المنحرفة عن الإسلام، أو أدب العبث الهدام، أو أدب الجنس والانحلال، أو أدب الحداثة الفكرية المدمرة لا أدب الحداثة بمعنى التجديد في المضمون والشكل.

* هل تعتقدون أن المد الأدبي الثقافي اليساري حاول مصادرة الهويَّة والثقافة الإسلامية لدى كثير من المثقفين العرب؟ وهل مازالت تأثيرات هذه المرحلة تتحكم في مصير الثقافة العربية؟..

- كان العالم العربي يتعرض قبل المد الشيوعي إلى ما يسمى بتيار التغريب الذي رفع لواءه الدكتور طه حسين وعدد من مريديه، ولكن سرعان ما تعاظمت الاتجاهات اليسارية لدى كثير من الأدباء العرب حتى لم يعودوا يعدون الدكتور طه حسين حاملاً لواء التجديد، بل لقد كتب أحدهم وهو الشاعر صلاح عبد الصبور في مجلة صباح الخير المصرية يقول: «لقد أصبحت يا دكتور طه إماماً للرجعيين».

وقد حاول المد الأدبي والثقافي اليساري إكمال ما كان يقوم به دعاة التغريب من مصادرة الهوية والثقافة الإسلامية بما أتيح لهم من السيطرة على كثير من وسائل الإعلام وبما مكنوا به في أجهزة الدولة للقضاء على ما بقي للأمة من مناعة ذاتية وتمسك بالهوية والثقافة الإسلامية.

وعندما سقط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي كان لسقوطه صدى كبير أدى إلى إحباط الداعين إلى الواقعية الاشتراكية من الأدباء والنقاد الملتزمين بها.. وسرعان ما تخلّوا عن الانتساب المباشر إليها ليعملوا مع ألفافهم من الوجوديين ودعاة الواقعية المنحرفة، وسائر الملتزمين بتيار التغريب تحت اسم جديد هو «التنويريون»، وتحت خيمة واحدة استظلّوا بها على اختلاف مشاربهم وأهوائهم، وهي خيمة «الحداثة» الفلسفية الشاملة التي كان أدونيس وما يزال رافع لوائها ومنظرها الأول.

وقد تجلت حقيقة الحداثة التي يدعو إليها أدونيس في كتابه «مقدمة الشعر العربي»

حيث يقول: «إنها -أي الحداثة- تجاوز الواقع أو اللاعقلانية، أي الثورة على قوانين المعرفة العقلية، وعلى المنطق، وعلى الشريعة من حيث هي أحكام تقليدية، تعنى بالظاهر.. وهذه الثورة تعني التوكيد على الباطن، وتعني الخلاص من المقدس وإباحة كل شيء».

ومع أن التيار الثقافي المناهض لهوية الأمة وثقافتها الإسلامية ما يزال يتحكم في كثير من وسائل الإعلام فقد جوبه بمعارضة شديدة ممن أدركوا أن حصون الأمة مهددة من داخلها، وكان لقيام رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمكاتبها التي بلغت (16) ستة عشر مكتباً في أنحاء العالم العربي والإسلامي دور كبير في مواجهة الحداثة المنحرفة مع الدعوة إلى التحديث والتجديد الفني الملتزم بثوابت الدين، والذي لا يقبل القطيعة مع التراث، ولا التنكر لهوية الأمة وثقافتها الإسلامية الأصيلة مع التزام الاعتدال والبعد عن التطرف.

* ما الدور الذي قامت وتقوم به رابطة الأدب الإسلامي العالمية لأجل تصحيح المسار واستعادة الهوية والثقافة الإسلامية التي تذهبون إلى أن المد اليساري سلبها أدباً وثقافة؟

- كان من أهم ما ق امت به الرابطة هو الدعوة إلى مذهب الأدب الإسلامي ونظريته المتكاملة ليكون رداً على المذاهب الأدبية العالمية وعلى المذاهب النقدية التي استجدت في الساحة الأدبية مع الالتزام بنقد تلك المذاهب الدخيلة والأخذ بما فيها من إيجابيات، والبعد عما فيها من السلبيات.

وقد تعززت الدعوة إلى الأدب الإسلامي بإنشاء المكاتب الإقليمية التي قدمت أنها بلغت (16) مكتباً في أنحاء العالم العربي الإسلامي، كما أصدرت الرابطة ست مجلات بعدة لغات، وأقامت عدداً كبيراً من المؤتمرات العالمية والندوات المحلية، كما نشرت عدداً كبيراً من الكتب النقدية، وقام عدد من أعضاء الرابطة ومن غير أعضاء الرابطة بنشر ما يكون مكتبة كاملة من هذه الكتب التي تتصدى للثقافة المناهضة للإسلام، والتي تبين خطر الحداثة المنحرفة، لا الحداثة السوية التي تعني التجديد والتحديث وعدم الجمود على القديم لمجرد قدمه.

* عارض بعضُ النقادِ الأدبَ الإسلامي من منطلق الخوف على الأدب العربي واختزاله في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.. ما رأيكم في هذا الموقف؟..

- إن معظم ما يدور في الساحة الأدبية في العالم العربي يكاد يكون صدى للمذاهب الأدبية العالمية، ولن ينقلب هذا الصدى إلى صوت أصيل متفرد إلا إذا كان مذهباً مستقلاً عن تلك المذاهب وعن مضمونها العقدي (الأيديولوجي) الذي تقوم عليه، ولن تجد هذا إلا في الأدب الإسلامي الذي يراد له أن يكون مذهباً أدبياً للشعوب الإسلامية كلها، وإن ظلت لغته الأولى هي اللغة العربية لأنها لغة القرآن، ولغة العبادة، واللغة الأولى للحضارة الإسلامية.

وهكذا يمنح مذهب الأدب الإسلامي الأدب العربي المعاصر أصالة وتفرداً كانا في الأدب العربي القديم، ويفتح له آفاقاً ينطلق منها إلى العالمية عندما يصبح هذا الأدب الإسلامي منهجاً، تتمثله الشعوب الإسلامية، وتنتهجه على اختلاف لغاتها وأجناسها.

والأدب العربي محضن الأدب الإسلامي، فيه نشأ وترعرع. وهو منبع تراثه ورائده لدى الشعوب الإسلامية كلها.

والأدب الإسلامي يستهدي بمشكاة الوحي، ويقتبس من بلاغة الحديث النبوي. واللغة العربية هي التي تنزل بها القرآن المعجز، وهي لغة الحديث النبوي، وقد ظلت اللغة العربية اللغة الأولى للأدب الإسلامي عبر العصور السابقة.

* في بحثك الذي عنوانه (قضية الأدب الإسلامي) ما القضية التي أردت تناولها، وكيف ترى معالجتها؟

- لقد عالجت (قضية الأدب الإسلامي) في ثلاثة محاور: أولها إثبات أن الأدب الإسلامي موجود في عصورنا الأدبية المختلفة، ومنذ انبلاج فجر الإسلام إلى يومنا هذا.. وقد استعرضت في هذا المحور خصائص الأدب الإسلامي في كل عصر من عصورنا الأدبية، واستشهدت بعدد من النماذج الشعرية والنثرية مؤكداً أن التوجه الإسلامي كان هو الأصل في معظم أغراض الشعر والنثر.

وتناولت في المحور الثاني مفهوم الأدب الإسلامي مستظهراً هذا المفهوم من تعريف رابطة الأدب الإسلامي لهذا الأدب بأنه «التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي».

وكان من السمات التي ذكرتها للأدب الإسلامي أنه أدب رباني يقوم على تصور عقدي ثابت هو التصور الإسلامي السليم، وهو بالتالي أدب ملتزم بثوابت الإسلام، وهو أدب شمولي واسع الآفاق، وهو أدب متوازن، يستمد توازنه ووسطيته من وسطية الإسلام، وهو أدب إنساني بمقدار ما في الإسلام من إنسانية، وهو أدب متصل عبر القرون، وهو بعد ذلك أدب ملتزم يهدف إلى صياغة الوجدان الإسلامي وبناء الشخصية الإسلامية، ويعبر عن آمال الأمة الإسلامية وآلامها، ويعمل على رفع الأمة إلى معركة المصير التي تخوضها الآن ضد التخلف والفرقة، وسوف تخوضها في المستقبل ضد العدو الإسرائيلي المتربص بها.

وأما المحور الثالث في قضية الأدب الإسلامي فقد تناولت فيه مسوّغات الدعوة إلى هذا الأدب، وذكرت أن أهم هذه المسوغات تتجلى في أهمية الأدب وتأثيره ثم في تصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة، وفي السعي لتغيير واقع الأدب العربي، وواقع الأدب في العالم الإسلامي، وفي التصدي لتيار التغريب، وللحداثة المنحرفة وليس للحداثة بمعنى التحديث والتجديد الذي لا يخالف ثوابت الإسلام ولا يقطع صلته بالتراث.

* لقد كتبت بحثاً مطولاً بعنوان: (شبهات حول الأدب الإسلامي).. ما هي تلك الشبهات التي تناولتها، وكيف رددت عليها؟

- لقد كتبت هذا البحث بعد أن رصدت ما كان يثيره معارضو الأدب الإسلامي من شبهات وإشكالات ضد هذا الأدب.

وقد انتهيت إلى أن المعارضين يدورون حول (7) سبع شبهات وهي: شبهة المصطلح، وشبهة النظرية، وشبهة تصنيف النصوص، وتصنيف الأدباء، والعلاقة بين الأدب الإسلامي والأدب العربي، واتهام الأدب الإسلامي بالتقريرية والخطابة والوعظ المباشر، وأخيراً دعوى أن الأدب الإسلامي بدعة لا ضرورة لها.

ومع أن المجال يضيق عن عرض كل شبهة مع الرد عليها فإني أشير بإيجاز إلى ماهية الشبهة وإلى طرف من الرد عليها.

وأول هذه الشبهات هي شبهة مصطلح الأدب الإسلامي الذي لقي معارضة شديدة عندما طرح في الساحة الأدبية.

وكان المنطلق الأول لمعارضي المصطلح هو منطلق بعض المسلمين الذين أصابهم الوهن، وبعدوا عن الالتزام بالإسلام، وهم ما يفتؤون يرددون عبارات بعينها فيقولون: لماذا تدخلون الإسلام في كل شيء؟ وكأن هؤلاء يجهلون – أو يتجاهلون -، أن الإسلام كما أراده الله يشمل كل شيء في حياة المسلم، بدءاً من العقيدة إلى إماطة الأذى عن الطريق، وهذا الإسلام لم يترك للمسلم أمراً لم يبيّن فيه وجهة الإسلام الصحيحة.

والمنطلق الثاني لهذا الفريق المعارض للمصطلح مع بدائله هو منطلق الصراع «الإيديولوجي» العقدي، الذي تصدر عنه فئة ممن لا يؤمنون بالإسلام أصلاً، وإن كان بعضهم مسلماً بالهوية والاسم، وهذه الفئة ترى في الدعوة إلى الأدب الإسلامي والاقتصاد الإسلامي، والفكر الإسلامي بعامة إعادة للعرب إلى عهود التخلف، لأنهم يعدّون الإسلام نفسه تخلفاً وجموداً وتأخراً، وهم يرون في الأدب الإسلامي خطراً يتهدد ما يؤمنون به من مذاهب الأدب الدخيل سواء أكان أدب الماركسية الذي انتكس بسقوط الشيوعية، أم أدب الحداثة بمفهومها الفلسفي الشامل المدمّر، أو أدب الوجودية، أو العبثية، أو غير ذلك مما تجد له أتباعاً متحمسين، يريدون أن يلبسوا أمتهم مالا يوافق ذوقها وأصالتها ودينها وتراثها الأدبي.

أما الشبهة الثانية، وهي شبهة النظرية فقد دعا بعض أنصار الأدب الإسلامي إلى صياغة نظرية متكاملة عنه، واكتفى بعضهم بالدعوة إلى مذهب الأدب الإسلامي.

وآثار المعارضون للأدب الإسلامي شبهة حول مصطلح نظرية الأدب الإسلامي، وحجتهم في ذلك أن النظرية -وهي في أحد تعريفاتها القضية التي تحتاج إلى برهان- ربما تعرضت إلى الإبطال مما ينال من قدسية الإسلام.

ونقول لهؤلاء الذين يدعون الغيرة على الإسلام: إن مفهوم النظرية الأدبية لا يطابق مفهوم النظرية في العلوم المادية والتطبيقية، وإنما أصبحت كلمة (نظرية) مصطلحاً في الدراسات الأدبية المعاصرة للإشارة إلى الحقل المعرفي والفكري الناتج عن التقاء النقد الأدبي بالعلوم الإنسانية، أو الاجتماعية الأخرى، أو بالفلسفة على وجه الخصوص.

وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نقرر أن نظرية الأدب الإسلامي تتكون من اجتهادات النقاد الإسلاميين التي تدور حول المجالات المترابطة التالية:

1- نصوص الأدب الإسلامي بشقيه: الشعر والنثر، وفي القديم والحديث، وفيما كتب باللغة العربية ولغات الشعوب الإسلامية الأخرى.

2- قواعد النقد الإسلامي في الأدب، وهي القواعد التي سوف تتناول نصوص الأدب الإسلامي عندما تلتقي بها، أو تعمل على تحليلها، واستظهار معالم النظرية منها بعد الاستقراء الكامل، وفي اجتهادات سوف تتكامل مع الزمن.

3- التصور الإسلامي السليم: وهو المعيار الذي يحتكم إليه في قبول النصوص أو رفضها، وقبل ذلك في صحة القواعد النقدية أو رفضها أيضاً، إذ لابد أن يكون هناك نقد إسلامي للأدب.

وهكذا يكون في صياغة نظرية الأدب الإسلامي وفق المحاور الثلاثة المتقدمة ضمان لها من مزالق الزيغ والانحراف، مع أن أحداً لا يدعي لها ولا يطلب لها، ولا لمنظريها شيئاً من العصمة، لأنها لا تخرج عن كونها اجتهادات بشرية قد يعتريها النقص أو الضعف أو الخطأ، ولكنها سوف تتكامل في طريق الضبط والصحة مع الزمن إن شاء الله.

ومن هنا نقول: إن الذين يدعون إلى صياغة نظرية في الأدب الإسلامي لا يتصورونها نظرية محصورة في بيان طويل أو قصير كالبيان الشيوعي، وإنما هي مجموعة آراء واجتهادات عامة وخطوط عريضة في التأصيل للأدب الإسلامي ومفهوماته ومناهجه في سائر الفنون الأدبية.

أما شبهة تصنيف النصوص فقد ذهب بعض النقاد إلى تضييق الدائرة التي تدخل فيها نصوص الأدب الإسلامي، مشترطين أن يكون النص إسلامي المضمون -أولا-، وأن يكون قائله مسلماً ملتزماً بالإسلام قولاً وعملاً وسلوكاً.. وهذا هو الشرط الثاني.

وذهب بعض النقاد إلى توسعة الدائرة بحجة أن تقويم النص والحكم عليه يكونان عادة بمعزل عن شخصية صاحبه، وإنما مرد التقويم إلى ما يحمله النص من مضمون إسلامي، وقيم تعبيرية فنية.

وتوسع بعضهم في قضية المضمون حتى أدخلوا في الأدب الإسلامي كل نص لا يعارض التصور الإسلامي، ولا يصادم قيم الإسلام أو يخالف ثوابته.

وإذا كان في النظرة الأولى تضييق وحرج واضحان، إذ تقتضي أن نتتبع صاحب النص في أعماله وسلوكه، ونجعلهما عنصرين مؤثرين في تقويم نصه، فإن النظرة الواسعة تبدو فضفاضة أيضا، إذ تفقد النص الأدبي المعيارية الدقيقة التي تحدد بها إسلامية النص، وهي تدخل في الأدب الإسلامي سائر النصوص الأدبية وإن لم يكن لها علاقة بالمضمون الإسلامي، أو التصور الإسلامي، مادامت حيادية الموقف أو حيادية المضمون.

وأقول: إن الذي يكفينا ضيق النظرة الأولى، وانفلات النظرة الثانية أن تصنف النصوص على ضوء تعريف الأدب الإسلامي إلى ثلاثة أقسام :

1- نصوص الأدب الإسلامي الملتزم بالتصور الإسلامي.

2- نصوص الأدب المعارض والمضاد للتصور الإسلامي.

3- نصوص الأدب الحيادي.

وهذا القسم الثالث وهو الأدب الحيادي هو أوسع الأقسام وأكثرها في الأدب العربي المعاصر وفي آداب الشعوب الإسلامية بعامة.

أما شبهة تصنيف الأدباء فهي تأخذ على مصطلح الأدب الإسلامي أنه قد يقسم الأدباء أو الشعراء إلى أدباء إسلاميين وأدباء غير إسلاميين. مما يثير حساسية بالغة وردة فعل شديدة ضد مصطلح «الأدب الإسلامي» والدعوة إلى هذا الأدب، فأنت حين تخص فئة من الناس بأنهم أدباء إسلاميون، فهذا الوصف يعني أن غيرهم من الأدباء غير إسلاميين.

وأقول في الرد على هذه الشبهة: إن الناس ما يزالون منذ عقود من السنين يطلقون على المفكر الذي يكتب عن الإسلام لقب «المفكر الإسلامي» أو «الكاتب الإسلامي» ومع ذلك لم يقل أحد: إن إطلاق هذا اللقب أو هذا الوصف على نفر مختصين بالفكر الإسلامي، يعني اتهام غيرهم في عقيدتهم أو دينهم. وإنما يعني إطلاق لقب المفكر الإسلامي أو الكاتب الإسلامي أو الأديب الإسلامي نوعاً من التخصيص الذي يدل على انقطاع المفكر أو الكاتب أو الأديب إلى هذا النوع من النتاج، أو غلبة هذا النتاج على ما كتبه.

ومن البدهي أن يكون هذا المفكر الإسلامي وهذا الأديب الإسلامي صادرين عن التصور الإسلامي الصحيح إذا كانا صادقين فيما يكتبان، وبعيدين عن النفاق أو الارتزاق. وهل يطلب من الأديب الإسلامي الذي يملك الموهبة والمقدرة الفنية أكثر من أن يصدر في عطائه عن التصور الإسلامي ليكون أديباً إسلامياً؟!

وهل يملك المسلم الملتزم بالإسلام أن يخالف عن التصور الصحيح أو يأتي بما يضاده ويصادمه؟، وبخاصة أن هذا الالتزام لا يحجر واسعاً، ولا يشكل قيداً، ولا يضيق عن تجربة إنسانية.

وأما شبهة العلاقة بين الأدب الإسلامي والأدب العربي فقد تناولت الرد عليها في الجواب في سؤال سابق من هذا اللقاء.

وأما الشبهة التي تذهب إلى اتهام الأدب الإسلامي بالتقريرية والخطابية والوعظ المباشر فأقول: إننا لا ننكر وقوع بعض الشعراء الإسلاميين في التقريرية أو الخطابية أو الوعظ المتكلف إلا أننا ننبّه على خطأ التعميم الخاطئ الذي جاء في الأصل من نقاد اليسار والحداثة المنحرفة، وبخاصة أن هذا التعميم سوف يعمّم على يد هؤلاء النقاد ليشمل الشعر الإسلامي عبر العصور، بل ليشمل الشعر العربي كله في مختلف العصور.

ومثل هذه الأحكام المتسرعة ليست في حقيقتها إلا جزءاً من الهجمة التي تعرض لها شعر التراث لأغراض مكشوفة، يدفع إليها الهوى والتعصب للرأي المسبق. وقد نسي المغرضون المفتونون بقواعد النقد الغربي ومذاهبه وبدعه إلى درجة الاستسلام الخانع والتقليد الأعمى لها، ومحاولة تطبيقها بل فرضها على أدبنا العربي، دون أن يحفلوا باختلاف طبائع الأمم وتفاوت الأذواق والمشارب. أقول: نسي هؤلاء أن النقد الغربي يعلمهم أن المهم في الأدب -أياً كان جنسه- صدق التجربة التي يتمثلها الأديب شاعراً كان أو قاصاً أو خطيباً، شريطة أن تتوافر مع التجربة الحية والصدق الفني الموهبة الأصيلة والأداة الفنية المسعفة.

ونحن إذ نرفض المبالغة والتعميم في هذه التهمة الظالمة الموجهة إلى الشعر الإسلامي فإننا لا ننفي وجود كثرة من النماذج الشعرية الهابطة في مضمونها وشكلها، أو التي تنقلب فيها الخطابية والمباشرة إلى نظم وتسطح وإلى قعقعة فارغة، تذكرنا بقول المعري في شعر ابن هانئ الأندلسي:

«إني لأسمع جعجعة ولا أرى طحناً، وما أشبه شعره إلا برحى تطحن قروناً».

وليس يشفع لهذه النماذج حسن نية أصحابها ولا سلامة المضمون (وإسلاميته) في أشعارهم، بل ينبغي أن نرفض الأدب المصطنع بتجاربه الكاذبة وبهارجه الخادعة أياً كان قائله ومهما كان مضمونه.

أما الذين يزعمون أن الشعر الإسلامي بل الأدب الإسلامي ما هو إلا أدب المواعظ فإنهم ينسون أن كتاب الله الذي يقرون بإعجازه الفني تحفل سوره بكثير من المواعظ البليغة، ونحن نقرأ في كتاب الله قوله عزَّ وجل: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}، وقوله عزَّ من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح العرب، وسيد البلغاء، تفيض خطبه بالمواعظ المؤثرة، وكان كما وصفه أصحابه «يتخوّلهم بالموعظة» حيناً بعد حين.

والذين يزعمون أن الأدب الإسلامي ما هو إلا أدب مواعظ إنما يقرنون أدب المواعظ في الأدب العربي بأدب المواعظ الكنسية الذي يمكن أن ينسب إليه في مجمله الجمود والتقليد.

أما أدب المواعظ، في تاريخنا الأدبي فإنه -في معظمه- أدب نابض بالحياة، إذ كان الواعظ الصادق يدخل على الخليفة في سدته، وعلى الملك في سريره فيأمره وينهاه حتى يزلزل قلبه بخشية الله، وحتى تبدر الدموع من عينيه معلنة ندمه وتوبته، تأثراً بهذا الوعظ الصادق. وكانت مجالس الوعظ التي يعقدها ابن الجوزي في مسجد بني أمية بدمشق يحضرها الآلاف من الناس على مختلف طبقاتهم فيخشعون ويتأثرون ويبادرون إلى إعلان التوبة عن ذنوبهم.

ومع ذلك فإن الأدب الإسلامي لا يقبل أدب الوعظ التقليدي الذي لا يتحقق فيه صدق التجربة والشعور مع جمال الأسلوب وروعة الأداء، ولطالما نادينا أن سمو المضمون ورفعته لا يشفعان للأديب المسلم أن يقصّر في الشكل الفني لأن هذا التقصير يخرج بالنص عن أن يكون فناً أو أدباً، ولأن النص الأدبي -أياً كان الجنس الذي يندرج تحته- يعد حجة على الأدب الإسلامي لا حجة له؛ إذا لم يكن الشكل على مستوى المضمون إبداعاً وتجويداً.

وأما الشبهة التي تذهب إلى أن الأدب الإسلامي بدعة لا ضرورة لها فأقول: إنه لا بد لنا من أن نفرق بين الأدب الإسلامي نتاجاً وبين الأدب الإسلامي مصطلحاً أو مذهباً أدبياً.

فنتاج الأدب الإسلامي -كما رأينا من قبل- نتاج قديم بدأ منذ نزول القرآن الكريم، ثم امتد عبر العصور حتى يومنا هذا. أما مصطلح الأدب الإسلامي، ونظرية الأدب الإسلامي، ومذهب الأدب الإسلامي، فكلها مصطلحات ومسميات جديدة مستحدثة، وهي إذا سميت بدعة فهي بدعة حسنة، بل ضرورة لازمة يقتضيها تطور العصر ومقتضى الصراع على البقاء، وليست تقليداً لما وضعه الغرب أو الشرق، وإنما هي وضع بديل إسلامي عن النظريات الأدبية والمذاهب الأدبية العالمية حيث يقف الأدب الإسلامي ليكون شاهداً ومقوماً لهذه النظريات والمذاهب، التي سيكون وريثاً لها في العالم الإسلامي الذي اجتاحته تلك النظريات والمذاهب الدخيلة، إذ ليس في عالم الأدب فراغ مطلق، وحينما لا تحل العملة الجيدة محل العملة الرديئة فإن العملة الرديئة سوف تسيطر على السوق، سواء في عالم المبادئ العقدية، أو في عالم المذاهب الأدبية.

وينبغي أن نذكر في هذا المجال أن النظريات والمذاهب الأدبية سمة عامة في الآداب العالمية المعاصرة ولم تكن معروفة في الآداب القديمة، التي لم تكن تتجاوز حدود الأدب المحلي أو القومي.

وإذا نظرنا في أدبنا العربي القديم وجدنا أن النقد لم يكن يتجاوز النظريات الجزئية والأحكام النقدية التي كانت بعيدة عن الشمول وعن تصور المذهب الأدبي أو النظرية الأدبية، وكل ما نجده مجرد إشارات إلى اتجاهات فنية معدودة، وبخاصة في فن الشعر كالإشارة إلى عبيد الشعر وإلى الطريقة الشامية.

وهكذا نستطيع أن نقول: إن الدعوة إلى الأدب الإسلامي مصطلحاً، أو نظرية، أو مذهباً، لا يخرج عما سبقه أو رافقه من الدعوة إلى الاقتصاد الإسلامي والإعلام الإسلامي، ونظام الإسلام السياسي، والدافع إلى هذه الدعوات جميعاً هو مقتضى الشعور بالذات، ومحاولة رد هجمة التغريب بتقديم البديل الإسلامي المتميز. بل أقول : إن هذه الدعوات كانت تمهيداً لظاهرة الصحوة الإسلامية أو مظهراً من مظاهرها الشاملة.

* لقد نشرت في أول عدد من مجلة الأدب الإسلامي التي تصدرها الرابطة بحثاً بعنوان: «دور الأدب الإسلامي في الوحدة الإسلامية».. هل هناك إمكانية لتوحيد الأمة الإسلامية من خلال الأدب الإسلامي، وما طرحكم في ذلك؟

- هذا البحث قديم جداً، وقد أعددته للإسهام في المؤتمر الذي عقدته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في مدينة كوالالمبور في ماليزيا وذلك في سنة 1993م، وقد ألقيته مرة أخرى في إحدى الجامعات الإندونيسية في مدينة جاكرتا، وكان من الطريف أني عندما ختمت هذه المحاضرة بالنشيد الإسلامي لمحمد إقبال والذي ترجمه الصاوي شعلان شعراً فوجئت بأن جمهور الحاضرين في القاعة بمن فيهم من رئيسة الجامعة وأساتذة اللغة العربية وعدد كبير من الطلاب والطالبات أخذوا يرددون هذا النشيد الذي كانوا يحفظونه وكأنه النشيد الرسمي لهذه الجامعة الإسلامية، وهو الذي يقول إقبال في مطلعه:

الصين لنا والهند لنا

والعرب لنا.. والكل لنا

أضحى الإسلام لنا دينا

وجميع الكون لنا وطنا

ويكفي هنا أن أنقل ما جاء في مقدمة هذه المحاضرة:

تهدف هذه المحاضرة إلى إظهار دور الأدب الإسلامي المعاصر في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، سواء في الدعوة إلى ما سمي بالجامعة الإسلامية، أو فيما تلاها من دعوات مماثلة من بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى هذا اليوم.

ومن ثم يهدف إظهار هذا الدور إلى توضيح ما ينبغي للأدب الإسلامي أن يقوم به، أو يستمر في أدائه، حين ينطلق أدباء الإسلام من تصور عقدي واحد، ومن منهج إسلامي واحد في سائر الفنون الأدبية، ليعملوا على تعميم مسيرة الأدب في الشعوب الإسلامية جمعاء، وليحققوا الوحدة الأدبية قبل الوحدة السياسية، وفي هذا المجال يقول أمير البيان شكيب أرسلان: «إن جمع الشمل السياسي لا يكون إلا بلم الشعث الاجتماعي وبث روح الوحدة الإسلامية».

* في بحثك الذي جاء بعنوان: «نحو منهج إسلامي لأدب الطفل».. ما فحوى الرسالة التي تضمنها؟

- ألقي هذا البحث في نادي القصيم الأدبي سنة 1410هـ أي منذ نحو عشرين سنة، وكان فحوى الرسالة التي تضمنتها هذه المحاضرة أن لأدب الطفل المسلم خصوصية تلائم مستواه، كما تلائم الأهداف المرجوة من هذا الأدب، ويأتي في مقدمتها محور الأهداف الدينية من تأصيل العقيدة وتشكيل الوجدان الإسلامي ويلبي هذا المحور محور الأهداف السلوكية ثم يأتي محور الأهداف الفنية، ويدخل فيها تنمية الإحساس بالجمال، والقدرة على التعبير بالأسلوب المناسب لعمر الطفل، ويلي ذلك حب المطالعة وتوجيهها، ثم تنمية القدرة على التلاؤم الاجتماعي مع أفراد الأسرة ومع زملاء الطفل في المدرسة، ثم تنمية المواهب الأدبية الفطرية، وإشباع الميل إلى المتعة الفنية، وأخيراً تحبيب الطفل بنماذج الأدب الإسلامي على مر العصور بما يناسب عمره.

* يقول الروائي الأمريكي نورمان مالد: «إن الالتزام هو طوق النجاة في خضم القيم المتصادمة في عالم اليوم صداماً أدى إلى الفوضى». ما هي رؤيتكم للأدب بين الإلزام والالتزام؟ وما موقع الأدب الإسلامي بينهما؟

- ما من شك في أن الأديب لا يستطيع أن يبدع إلا في إطار من الحرية، وإلا جاء أدبه بارداً مصطنعاً ودعائياً، وهذا ما قاله الناقد بنديتو كروتشه عن أثر الالتزام القسري فيما أنتجه الأدباء في الاتحاد السوفيتي في ظل الشيوعية؛ حيث كانت الدولة تفرض الإلزام بالشيوعية سواء بسلطة الدول أم بسلطة الحزب، وأي معارض للإلزام الشيوعي يكون مصيره السجن، أو النفي إلى مجاهل سيبيريا، أو إدخاله إحدى المصحات العقلية.

أما الالتزام العفوي الذي يلتزم به الأديب فهو لا يفسد التجربة الأدبية لأنه ينبع من حرية الأديب ومن تجربته الشخصية، ويعبر عما يحسه أو يعتقد به دون إكراه من سلطة تأتي من خارج الأديب.

والأدب الإسلامي -كما جاء في تعريفه- أدب هادف، وهذا يعني أن الأدب الإسلامي يأخذ بالالتزام، ويرفض الإلزام القسري في أي صورة جاءت.. ولا يمكن تصور الأدب الإسلامي دون التزام.. ذلك أننا يمكن أن نعرف الإنسان المسلم بأنه إنسان ملتزم بالإسلام، والأديب المسلم إنسان مسلم فهو بالضرورة ملتزم بالإسلام، إلا أن يكون إسلامه اسمياً بالهوية فقط، أو لا يكون فاهماً لحقيقة الإسلام.

والأديب الإسلامي مسلم أولاً وأديب ثانياً، وليس للأديب خصوصية تبيح له أن يخرج عن الإسلام بحجة الموهبة الأدبية، فالموهبة الأدبية لا تستلزم الخروج عن قيم الإسلام وثوابته، ومقتضيات الفن الصحيح والأدب القويم لا تستدعي الخروج عن حدود الدين.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة