نقشت حبنا على قلب شجرة بعيدة تحكي مع الأفق حكاية بنت اسمها "ثرثرة" ورجل اسمه " الأضداد المتآلفة". كانت تطوف بأفكارها بين صفا حُريتها ومروة حبها له, جمعتهما قيم, أفكار مبعثرة, أمزجة نارية، وحب المغامرة, هي: قلقة بطبيعتها، عنيدة بحريرية متناهية. هو: دافئ كحياة العاشقين, صاخب بهدوء, طيب كروح الجدات. قالت له وهي تفكر بعمق رافعة حاجبيها بدهشة يلفها الكثير من الجمال: قرأت مقطعاً جميلاً لجبران خليل جبران "الأجنحة المتكسرة" "ما أجهل الناس الذين يتوهّمون أن المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة. إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي وإن لم يتم هذا التفاهم الروحي بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل". بادرته بسؤال: ما رأيك، هل تعتقد ما يعتقده جبران؟ أطرق قليلاً وهو يلم شتات فكره كعادته الفوضوية المتناثرة رجولة قائلاً: يا ثرثرتي، أختلف مع جبران في ما طرحه, فالحياة دوائر مترابطة، دائرة العشرة تولد التفاهم وأحياناً التشابه، ودائرة التشابه تولد الحب. ثم رمقني بنظرة خبيثة وسألني سؤالاً مباغتاً: ألسنا يا عزيزتي متشابهين؟ ثم أردف يتساءل، لماذا عندما نعجز عن تعريف الأشياء نسميها دائرة، مثل دائرة الشك، دائرة اللصوص, دائرة الأحلام, وكأننا نتحدث عن الوهم أو اللاشيء....!!
قاطعته ثرثرة قائلة: دائرة التخلف أو كما تسمى "حلقة راجنر" لماذا سماها راجنر حلقة، وهل الأشياء لابد أن تكون مدورة حتى تصبح غامضة أو محل شبهات..؟ أيضاً ما هو تصورك لقوس قزح... هو نصف دائرة، وطالما نحن نتحرك ومستمرون في الحركة فلا بد وأن نكون في طريقنا للوصول إلى مكان ما، وكأن طرف قوس قزح هو شيء يجب الوصول إليه. ونظل نسير نبحث عن الحقائق ومعايير الصواب والخطأ، نعيش كرحّالة نبحث عن النادر والمستحيل في بيادر الكون, محاولين اجتياز كل العوائق للوصول إلى المستحيل. قاطعني بكل هدوء الكون: لماذا يا ثرثرتي نهدر كثيراً من الوقت في التفكير بأشياء قد تكون من البديهيات..!! أجابته ثرثرة: أليس الوقت يا عزيزي من الموارد النادرة؟ نظر إليها باستغراب قالت له: سوف أشرح لك، يومياً نحن نتخذ كثيراً من القرارات الاقتصادية، متى نستيقظ من النوم؟ متى نتناول وجبه الإفطار؟ متى نتسوق؟ هذه قرارات اقتصادية يحددها مورد "الندرة" وهو الوقت، وأنت تعلم يا عزيزي مدى صراعنا مع الندرة ومع رغباتنا الإنسانية، أي أن الرغبات الإنسانية تزيد كميتها عن الموارد المتوفرة التي تمدنا بها الطبيعة. إذن يا ثرثرتي المسألة مسألة تعوّد واكتساب..!! بمعنى أن الإنسان يجب أن يقمع رغباته الداخلية ليحل محلها عادات مكتسبة تتناسب مع الموارد الموجودة..! ردت ثرثرة قائلة: أنت يا عزيزي توقد لدي شرارة الصراع بين نظريتين في التربية، النظرية الأولى تقول: إن التربية عملية تفتح من الداخل، أما النظرية الثانية فترى أن التربية عملية بناء من الخارج، وما نشاهده يروي لنا قصة الإنسان بفطرته ومكتسباته, والصراع يكمن هنا في كيفية اكتساب المعرفة، التعمق بفطرتنا وكيف نتعامل معها، ومكتسباتنا النفسية والاجتماعية لتهذيب هذه الفطرة لتتوازن الرغبات مع محدودية الموارد, ولا أعتقد يا عزيزي أنك مصاب بمرض الحضارة "أي عدم القدرة على اتخاذ قرار" أي لا تعجز عن قول "لا" لرغباتك المتلاحقة. الأضداد المتآلفة: ولكني عاجز فعلاً عن قول لا لك يا ثرثرتي فأنت بالنسبة لي كالجبل العالي أحاول تسلقه دون مهارة أو دليل خبرة لكي أجاري بحثك الدائم عن الحياة، سألتني ذات مرة سؤالاً ما زال يدور في ذهني، كان سؤالاً عصيّ الإجابة، سوف ارتب السؤال: هل الحياة تموت فيها الحياة؟، سوف أجيبك الآن، إجابة يشوبها كثيراً من البساطة كقلبي الذي يحبك بلا شروط يا ثرثرتي, عندما تفقد شيئاً ثميناً عشت من أجله، تموت الحياة كالقديس "أبيلار" ماتت حياته قبل أن يموت عندما فقد حبيبته "هلويزه". على فكرة سؤالك هذا يا ثرثرتي يذكرني بسؤال تقادم مع كثرة الاستخدام، وهو لماذا تظل الدول الفقيرة فقيرة؟ ثرثرة: سوف أجيبك يا سيدي بسؤال مرتد يهزّ قلبك ويشتت ذهنك, لماذا يظل حبك لي كما هو لا يتطور؟ كانت لدي أمنية أن أحب عالم آثار، هل تعلم لماذا؟ حتى كلما تقادمت لديه كلما أحبني أكثر، وكلما رسم الزمن خطوطه على وجهي وجسدي كلما رآني أجمل وأكثر قيمة عنده. أعلم أنك تحادث نفسك وتقول عني مجنونة، أنا مجنونة بالفعل، فأنا لا أحب الاحتكام لقوانين البشر التي صنعوها لتناسب مقاييسهم النفسية والعقلية, الزمنية والمكانية، أحب الاحتكام لصوت عقلي وضميري، أضع قوانيني بنفسي، أنا من يرسم خريطتي النفسية والجسدية، المرأة لدينا يا سيدي مثل الدول الغنية بمواردها الطبيعية كغانا، كينيا، بوليفيا، إلا أنها فقيرة ولم تحقق سوى نمو بطيء، هل تعلم لماذا؟ لأن هناك من يتحكم بها ومن يتصرف بمواردها، ولكنها لا تنجح، هل تعلم ما معنى هذا... هذا يعني أن الموارد المادية عديمة الجدوى بدون التنظيم والمهارات ورأس المال اللازم, أي أن المرأة إذا فهمت نفسها استطاعت أن تنظم ذاتها وتكتشف مهاراتها وتعتمد على نفسها بتوفير المورد الاقتصادي لها دون تدخل قوى خارجية "الرجل". الأضداد المتآلفة: أحبك يا ثرثرتي، ولكني أغالب تساؤلاً يتكرر بمخيلتي كتكراري لأخطائي، أليست نفوسنا ملوثة بمعادن غريبة؟ فنحن أبناء التكنولوجيا ألم تتغير خريطة قلوبنا ونفوسنا الرطبة وكأنه زُرع في داخلنا رقائق معدنية؟ في محاولة فاشلة مني لتمرين عقلي على عدم التفكير, اشتعلت نار التساؤلات لتتلاعب بحاستي السابعة بضجيج عابث، سوف أدس أفكاري في جب عقلي، فهي التي هددتني بالرحيل مع الغروب، سوف أعانق طيف الكلمات البيضاء الممدودة على جسر الورق، فهي أحياناً تسلبني أمواج اعتقاداتي، لأنه بلا مشاعري فالكلمات تتبادل اللمسات مع الفراغ فتطير عصافير الأفكار الساكنة في عقلي، ولكن حجم عصافير أفكاري ثقيل، اكتشفت أن أعشاشها بنيت من المعادن المتطايرة في أجواء روحي وجسدي، ألم أقل لكِ أن التكنولوجيا غزت أجسادنا؟ ثرثرة: كاخناتون أول داعية للسلام ...كنت أنت داعية السلام لقلبي, لأجلك.. بنيت ناطحة سحاب من الورود الملونة, نصعد إليها ونحن نتسلق حبل الأمنيات, قصتنا اثنان جمعهما رابط الحب والألم والأمل, نحن لسنا متشابهين... جنوني يكبحه تعقلك, رغباتي المتلاحقة تسكتها سكّين تحليلاتك لي, جمعتنا حماقات الحياة، نجتازها بمرح، كأمير فرعوني.. تنثر فوق تلال التحدي زهور الأمل المجففة حتى لا تذوى، أعبر بحر الزمان على زورق ثقتي بك, أبحر بسفينتي في الحياة وأنت الصاري، وبكل الأطراف المتباعدة بيننا، أجد دائماً مساحة للتفاوض معك. تقول زينب: ثرثرة والأضداد المتآلفة وجهان لعملة البشر.
الرياض
zienab_76@hotmail.com