إعداد - عبدالحفيظ الشمري
الأديب الشاعر عبدالله بن خميس ومنذ ولادته في إحدى قرى الدرعية (الملقا) ونزوحه إلى الرياض عني بهم الكلمة، والشعر وشغف بالبحث، وتعلق بالتأليف.
فالمدينة الرياض ذكرها الشاعر ابن خميس في صولاته الشعرية، وجولاته البحثية، إلا أننا نراه وقد عني بهم عام، وحالة شاملة تتمثل في عوالم (اليمامة) كإقليم حفر في الذاكرة، وسجلت عنه الكثير من الصور الشعرية، والحكائية على نحو فريد، ليؤكد مكانة هذا الجزء الذي عكف عليه فكانت أولى الطروحات (المجاز بين اليمامة والحجاز)، وألحقه بمؤلف حول هذا المعنى وسمه بعنوان (معجم اليمامة)، وتوجه ببوح شعري ضم العديد من قصائد الشيخ حيث عنونه برؤية شاعرية (على ربى اليمامة).
فالأديب الشيخ عبدالله بن خميس معني بالكلمة، شعراً ورواية، بل تجسدت في الشاعر رؤية دائمة تتمثل في كونه ممن قدموا الصورة الشاعرية للوطن، وإن اختلف مع من حوله في رؤى كثيرة تمس جوهر الشعر العربي المعاصر، لا سيما وأن ابن خميس قد خلص إلى أن الصورة الأكثر حضوراً هي صورة تجارب أبي تمام، والبحتري وأمثالهما، لذا جاء شعره في هذا السياق.
ولم يشأ الأديب الشاعر إلى أن يدون ما عن له من شذرات الأدب، وخوالص الشعر في وطنه الأم (الدرعية) حينما عني كثيراً في تدوين خطابه الوجداني الذي يؤكد ولعه في العودة إلى المنابت الأولى.
فاليمامة عالمه العام، والرياض مدينته التي وجد ذاته فيها، والدرعية بماضيها العميق تشكل عالم المكان في تجربة الأديب ابن خميس، فالمدائن عادة ما تكون أكثر حضوراً، وأقوى تأثيراً في التجربة، وهذا ما قد نلمحه في عطاء الشيخ، ودأبه على بناء رؤية إنسانية متكاملة تجعل من الوطن عالماً منبسطاً، وفضاء مفتوحاً يتسع للجميع.
فالرياض لم تعد هي التي كان يتصورها الشاعر ابن خميس بل إن المدن حولها خرجت إلى الحاضر وصاغت وجودها على نحو حديث لا يمتلك معه الشاعر إلا أن يقر بوجود هذا التحول، فلا بد له من العودة إلى المنابت الأولى.. حيث التاريخ الذي يغدق عليه من كرمه الشيء الكثير، فالمحصلة النهائية للاستطراد في هجس المكان يولد دائماً كماً هائلاً من الإفصاح الذي يسند القائل في مهام بوحه لا سيما حينما يكون شاعراً كعبدالله بن خميس.
العودة إلى ربقة المكان ظاهرة فنية اتسمت فيها تجارب جيل كامل من المخضرمين الذين عاشوا التحولات، وانتقلوا مع المجتمع من حال بسيطة وعادية إلى أحوال صاخبة، وعميقة في مضمون تحولها الذي لم يكن كله مادياً إنما تحولاً معنوياً تنازل فيه الناس عن قيم كثيرة مسيارة للواقع، وهذا ما رصده ابن خميس في أعماله: (الأدب الشعبي)، و(جهاد قلم) و (شهر في دمشق).
ولا مشاحة أن يقال عن الشاعر عبدالله بن خميس إنه تقليدي طالما أنه معني بالأصالة، والرصانة، واقتفاء أثر النظام الشعري الموروث جيلاً بعد آخر.
أمر آخر يمكن أن يقترن بصورة (المدينة) التي يرسخها الشاعر في ذات قصائده.. فهي المدينة المفعمة دائماً بألق الماضي المؤثر والقوي.. لنراه وقد صاغ في ديوانه (على ربى اليمامة) هذا النهج العميق لدلالة المكان في مخيلته حتى باتت (المدائن) هاجساً وجدانياً ثراً ينهل من معينة ويستنبط منه الكثير من الصور المعبرة، والمواقف المؤثرة.
يبقى أن نشير أخيراً إلى أن عبدالله بن خميس عني بالنثر، فصاغ منه رؤية فنية متكاملة طغت على جل طروحاته النثرية شكلاً ومضموناً، فهو الحريص دائماً على أن يدون قضايا الجدل المعرفي من خلال خطاب عقلاني يتسم بالهدوء، والموضوعية حتى باتت سيرته أدباً وشعراً وتاريخاً كتاباً لا تملّ أبداً من تصفحه والتزود من معانيه، فهو خير جليس للشيخ على ربى اليمامة.