تقذف إلينا المطابع كل حين بإصدارات متنوعة تحمل غلافاً براقاً جاذباً للقارئ وعنواناً يبرز في ثناياه رائحة فضيحة!! يكتب على الغلاف غالباً اسم رواية، لكن لو تعمَّقت في قراءتها والإبحار بين سطورها لن تجد سوى أعمال ممسوخة باهتة لا تمت إلى فن الرواية بصلة.. شبهها البعض بسواليف المجالس وشبهها بعضهم الآخر بحكايات المؤلف عن نفسه وآخرون قالوا إنها خليط من هذا وذاك..
لكن بقليل من التركيز والتفهم نجد أن كاتبي وكاتبات هذا النوع من الروايات ليس لهم تاريخ أدبي ولم يستقوا كتاباتهم من تراكم معرفي وتجارب فنية وقراءات في الأدب العربي والعالمي، بيد أنهم لأسباب خاصة - أعتقد أن الشهرة أحدها - بدأوا يخرجون لنا تراكماتهم الداخلية المكبوتة ومخزونهم الفذ من تجارب تفتقد النضج واتخذوا محور التمرد على القيم ومخاطبة الغرائز الجنسية أساساً لمخاطبة المتلقي.. بل القفز على أعراف المجتمع وتعمّد صدم القارئ بأفكار غريبة صادمة وبمشاهد جنسية لم توظف توظيفاً جيداً ومناسباً ولائقاً في البناء الروائي.
ويبدو واضحاً للقارئ منذ السطور الأولى نية المؤلف المبيتة في تجاوز كل الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء بحيث ينطلق المؤلف بلا حسيب ولا رقيب ولا رادع من ضمير ولا حتى فنيات وأسس يتقيد بها في بناء الرواية بل ينطلق في فضاءات شاسعة تسمح له بإخراج كل نزعاته الداخلية والمخفي والمسكوت عنه يودعها الورق ويطلق عليها لقب رواية.. وغالباً لن يكتب غيرها.
ومما ساعد في تفشي هذه الظاهرة الخطيرة في تشويه فن الرواية بعض دور النشر التي تسوق لمثل هذه الأعمال وتشجع على التردي بهدف الربح المادي فقط لا غير.
ولا أنسى أنه قبل فترة حينما تقدمت لي المستخدمة (أم إبراهيم) وفي يدها مجموعة أوراق حسبتها قد سقطت مني سهواً وما إن هممت بشكرها واستلام الأوراق حتى صدمتني بقولها إنها تكتب رواية وتريد مني إبداء رأيي فيها، ومن شدة ذهولي سألتها وشريط سريع يمر أمام ناظري بأسماء الروايات التي أمطرتنا في الفترة الأخيرة حتى نكاد نفتح صنبور الماء فتنزل رواية والعناوين غالباً تدور حول (البنات والسعودية) لتجد لها رواجاً أكثر.. سألتها عن عنوان روايتها وأنا أكاد أبكي.. لم تخيب ظني وقالت إن العنوان (سعودية في شارع التحلية؟)..
لذلك فهذا الانهمار الروائي والنجاح السريع الذي تحققه ثم الهبوط السريع يليه الأفول والموت.. ليس مستهجناً - في رأيي - ولا مستغرباً؛ فكل مَن يملك قلماً سيكتب، سواء كتب فناً روائياً أم غثاءً أحوى يتقيأه بين غلافين!
فهو في النهاية سوف يحمل كتاباً مطبوعاً عليه كلمات تفيد بأنه رواية.. وهل هو رواية فعلاً أم لا؟ هذا لا يهم.. والحكم في النهاية للمتلقي.
فالقارئ إما أن يقرأ هذا الكتاب فيشعر بالمتعة والفائدة وبأنه ارتقى في ملحمة إنسانية خلاقة تنمي ملكاته الفكرية والثقافية والإنسانية، وإما أن يشعر بأنه يهبط في بئر لا قاع له.. وهي عموماً فقاعة حتماً ستنتهي..
الدمام