بدعوة كريمة من هيئة التعليم في محافظة الزلفي تهيأ لي أن أشهد مهرجان الإلقاء في هذه المحافظة النشطة، وفي هذا المهرجان الذي يقف وراء تنظيمه مجموعات من الأساتذة والطلاب تنافست المدارس في أدائها، كانت هناك كأس جعلت جائزة للمدرسة التي تتفوق على غيرها من المدارس، وأما الحكم في هذا ففئة مختارة من الحضور، وحين عرضت النتائج لم تكن متباعدة، وليس هذا بغريب لأن المدارس كانت في الحقيقة كلها متفوقة، وكانت كلها تستحق بجدارة كأس التفوق.
وأحسب أن المدارس شهدت تفوقها في أعين الحضور الكثيف فلم تنتظر الكأس وما كان همها في المقام الأول بل كان الهم حسن الأداء وجمال العرض. كانت العروض لوحات تعبر كل لوحة عن موضوع واحد فهذه لوحة تعبر عن تجديد البيعة لعاهل البلاد، وتلك لوحة تحكي قصة فتح الرياض على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز، وأخرى تصور التكافل الاجتماعي الأمثل، ولوحة معبرة عن حوار الأديان كما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين.
وتتخلل تلك اللوحات الجماعية مشاركات إلقاء فردية حيث يقف الطالب أمام الجمهور بكل ثقة ويلقي قصيدة فلا ينتابه تردد ولا تناله حبسة أو يرتج عليه ولا ينسى بيتًا فيظل يستدعيه بترداد ما قبله بل كان إلقاء ينساب كشلال ماء.
ليست اللغة جملة من الأحكام اللغوية والقواعد الصرفية والنحوية فقط، ولكنها في حقيقة أمرها جملة من المهارات والكفايات التي لا يعد المرء مالكًا لناصيتها حتى يصدر عنها بأداء سليم لا يفسده الاضطراب.
وفي مهرجان الزلفي رأيت مجموعات من الطلاب تتحرك بتنظيم رائع على المسرح حيث تتوالى مشاركات الطلاب الصغار والكبار، كل عرف دوره فيتقدم بكل هدوء وثقة ليلقي جملته الإلقائية فتنساب بهدوء إلى الأسماع لتتلقاها بالقبول، كنت انتظر أن يتلجج أحد أو يتلكأ صغير أو ينسى من ينسى ولكن شيئًا من هذا لم يحدث.
بوجوه باسمة مطمئنة تراهم يتطلعون إلى الجمهور ويسمعونهم ما أحسنوا حفظه من الأشعار.
كان التدريب جيدًا والحركة هادئة واللغة تنساب فصيحة من أفواه الصغار والكبار كأن هؤلاء قد زويت لهم من المعرفة اللغوية ما أعانهم على حسن الأداء، وحين سئلت عن رأيي في تلك المشاهد عبرت عن إعجابي بالكفاية الأدائية، ذلك أن للجمهور رهبة عظيمة قد تربك أعظم الرجال فيناله التلجلج وتأخذه الحبسة ويعرض له النسيان. وليس من شك أن تربية هؤلاء الصغار على مقابلة الجماهير وإلقاء الأشعار بين أيديهم هو مران فعال في تنمية شخصية الطالب وتعزيز ثقته بنفسه وإسعاده للتعبير عن ذاته دون وجل أو خوف. فما أكثر الناس الذين يأخذك ما يسطرونه من الكلام فيبدعون فيه ويصلون مدى بعيدًا ولكنهم عند اللقاء والحديث المباشر تخونهم مهارتهم وتقعد بهم دربتهم ويحول بينهم وبين حسن الأداء ما تركبت عليه نفوسهم وما تربوا عليه فصار جزءًا مؤثرًا في سلوكهم.
إن تلقين العلوم العربية وإذكاء مهاراتها مهم، ومن أهمها في نظري ممارسة اللغة مشافهة في الإلقاء والحديث والحوار والسرد والشرح. فاللغة صوت في المقام الأول.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض