احترام الرأي الآخر، مقولة هذا الزمن الأشد وقعا وتوقيرا، ولكن من المحتمل أن يعتري المرء منا شيء من الارتباك المشوب بالحيرة، أوان العثور على رأي قلبي آخر.
على سبيل المثال، في الأماكن الأشد حظوة لدينا، يبلغ بنا الهيام فيها حد التفكير، افتراضا، أنها أثيرة هكذا بذات المرتبة لدى الكافة. ولحظة أن نتجاذب أطراف الحوار مع أحد ما، فيعرّج بنا حديثنا على ذاك الموضع، أو أن تمرق به أجسادنا بغتة بمعيته، فنرصد انطباعه غير المبالي بالتفاصيل التي تعنينا، أو ربما يبلغ به الأمر حد الجهل بذلكم الموضع، نصعق أيما صعقة، ويسقط في قلوبنا، وتراودنا بإلحاح أسئلة مضنية إزاء ذلك.
بأي كيفية تشاهد عيون الآخرين أشياءنا المألوفة؟ كيف تأتّى لهم ألا يشعروا بها كدأبنا؟ على أية حال رأيناها للوهلة الأولى؟ وبماذا أضحت لنا بهذا الإلف والحميمية؟ ما كانت البدايات؟ وإلى أين آلت؟ ولم؟ كيف بدت مشاعرنا وقتذاك؟ أكنّا نخمّن هذا الضرب الذي سيقع من المودة بيننا كما زوجين مسنين؟ لأي شيء يتكرر هذا السيناريو مرارا عند كل ارتياد لمكان جديد، أو الإيذان بتجربة بكر؟
ووقت اصطحاب أحد ما إلى معلم حديث عهد به، لكنه يعني لنا الشيء الكثير، كيف لنا أن ننعتق من براثن التفكير المحدق بأن عينيه تشاهدان المكان خلافنا، وأنه الآن إنما ينظر بذات أعيننا التي استعملناها حين أول مجيء؟ أنى لنا تحقيق رغبتنا العارمة، ولكن العصية، في إعارته عيوننا ومشاعرنا كيما يعتمرها مثل عدسات؟
عين تألف وتكترث بالتفاصيل، وأخرى تائهة تحدّق في اللاشيء. بدايات قفر، تئول إلى وشيجة وطيدة مع الفؤاد. ثراء في مخزون المشاعر ساعة الزيارة تلو الزيارة، وتدبّر وحشة البواكير.
وحتى عند ولوجنا في أول مرة حيّزا نعي أننا سنمكث في ربوعه ردحا من الزمن، كمجال العمل، فإننا لا نحوز الوعي الذي يأخذنا نحو إدراك ذات التفاصيل التي سنعبأ بها لاحقاً.
وحتى البشر يصدق بحقهم ما يقال حول الأماكن، وسائر الأشياء، إذ يستحيل المرء من غريب مستوحَش إلى أليف مستأنَس، رأسا على عقب. وحال رصد رفيقين على قدر هائل من الانسجام، أو الاعتياد المفضي إلى الشجار الناعم، لا يتبادر إلى الخاطر لحظة ذاك أمر كوحشة البدايات وزركشتها.
والمهنيّ المستكبر المقيم في غربته ردحا من الزمن، قد وطئت قدماه أرض المطار حين القدوم الغض وفرائصه ترتعد بالوجل والاضطراب، بيد أنه الآن يعيث طغيانا، بشكل أو بآخر.
وفي علوم الاتصال والإعلام وثقافة الصورة، يجري التقرير بأن ترداد مشاهدة وجه ما يبعث على استحسانه، بل وربما نعته بالوسامة، كائنة ما كانت وجاهة تلك الوسامة. والسحنات الأكثر حضورا وتكرارا في المشهد هي الأشد قبولا وجاذبية. ومن المرجح أن يكون هذا ما حمل المراقبين على وسم المشاهير بالجمال، حتى لو بدوا خلاف ذلك، جراء طغيان الصورة. أما كتبوا مؤخراً، مثلاً، عن الرئيس الفرنسي بأنه الرئيس الوسيم؟!!
الرياض ts1428@hotmail.com