عبدالحفيظ الشمري
الروائي محمد المزيني كثيراً ما يشير بوعي، ومسؤولية إلى أنه يكتب مشروعه الروائي بعيداً عن ضوضاء الحضور الصاخب، أو ادعاء الريادة، أو تهيئات الفرادة والتميز عن الجميع، فهو الذي يعكف على فعل إبداعه، ويخلص في بناء منظومته السردية بعيداً عن مثل هذه المحاكاة غير المجدية.
المزيني يطل على القارئ بعمل روائي جديد وسمه بعنوان (ضرب الرمل) ممثلاً في السفر الأول (النزوح) لنراه وقد فتن في استقصاء مفردة الخطاب الحكائي الذي اتكأ عليه كثيراً في بناء معادلة (الإنسان/ الماضي) حيث تتواتر في هذا السياق تجاذبات ظروف المعاناة، والألم والوحدة والفقر والحزن في ذات البطل الراوي (شقير).
لتتسع في هذا السياق الإفصاحي خصوصية السرد الذي يذهب دائماً إلى الجذور، وذلك من خلال رؤية (شقير) - الشخصية المحورية - تلك التي لا تجد بداً من سبر أغوار الحياة واكتشاف الواقع، والتأمل كثيراً في رحلة العناء، والتشرد، وشظف الحياة وتحويلها إلى مشاريع تمرد يسعى للانتصار من خلالها على كل من حوله.
لقد برع الروائي محمد المزيني في تصوير هذه الثنائية المعبرة (الإنسان/ الماضي)، حيث أسس لها قاعدة حكائية تصل الآخر، وتصوغ معه فعل الدهشة المفضي دائما إلى فهم تذوقي أكبر يكون هو المعاش، والمجرب في ظل ذوات الحالة الإنسانية التي كلَّت أو ملَّت من الركض خلف سراب الوعود في حياة هانئة، لتأتي رواية المزيني منبئة عن هذا الشعور العميق الذي يستضيف الماضي ليقول كلمته الحقيقية، أو شهادته المهمة على هذا العصر الذي بات فيه الإنسان حائراً بين ماضٍ تخلده الذكريات، وحاضر تتجاذبه المغريات ومستقبل تأتي نذرة غير محمودة على نحو فج.
في رواية (ضرب الرمل) سفر (النزوح) يحقق شقير الطفل الشقي بعذاب أهله، والمسكون بجنون البحث عن الذات، حتى نراه وقد سجل لنا الموقف تلو الآخر من خلال شهادته التي سطرها لنا الرواي متيقنا بأن (البطل شقير) سيصل إلى الحقيقة من خلال هذه الترجمة لحالة (النزوح) التي تسكنه، وتسد عليه منافذ التفكير إذ لا مجال للفشل أو التردد، وهذا ما عهد عنه في سياق النص.
شغل الروائي المزيني في اقتفاء حساسية الخطاب السردي الذي لا يترك شاردة أو واردة إلا واستقطبها في بناء حكاية (شقير) وشخوص آخرين عنوا كثيراً بمثل هذه التفاصيل الدقيقة، فنراه وقد أكثر من ذكر (السيارة، السوق، البيت الطيني، الكروة، الرحيل، المال، البحث عن أبيه الغائب، وألق أمه)، فسرد الحكاية لديه أثير ويسهم في خلق مناخ استنطاقي لهذا الحشد الهائل من الرؤى والتي تتواتر في الرواية بشكل بديع.
المزيني في هذه الرواية (النزوح) يؤكد أنه معنى في تفاصيل ثلاثية روائية، يكون سفرها هذا هو الأساس، أو المنطلق في بناء هذه المعادلة الماضوية، فالبطل عني في تثقيف ذاته، وصنع إنجازه الإنساني والعملي، بل نراه وقد عكف على إرساء دعامة قوية هي (المال) الذي ضغف فيه، فبات يُصور الحالة الاجتماعية، ويصنف الشخوص على هذا الأساس المادي البحت.
فقد تكون هذه الرواية حالة أولى لفهم اللوحة العامة التي يزمع (المزيني) رسم تفاصيلها، لتصبح في القريب المنظور منطلقاً افصاحيا يجسد حالة الرغبة لديه في إيصال هذا الكم الهائل من الشهادات الحية والنابضة بالصدق، والموضوعية حيث ختم الروائي شهادته مؤكداً على أن المال قد يكون هو سيد لعبة الحياة، لا سيما في سني ما يقال عنه (الطفرة) لدينا حيث صاغ لنا شهادة أولى حول التأسيس، وسننتظر صدور سفرية التاليين لنسجل رؤية أعمق وأشمل، فلنسعد بهذا الجهد الروائي الجميل ولننتظر القادم الأجمل من المبدع المزيني.
إشارة:
شرب الرمل (رواية).
محمد بن عبدالله المزيني
دار الكفاح، الدمام، 1429هـ.
تقع الرواية في نحو (160 صفحة) من القطع المتوسط.
لوحة الغلاف للفنان ناصر الموسى.
***
مؤكداً على أن المال قد يكون هو سيد لعبة الحياة, لا سيما في سني ما يقال عنه
(الطفرة) لدينا حيث صاغ لنا شهادة أولى حول التأسيس, وسننتظر صدور سفرية التاليين
لنسجل رؤية أعمق وأشمل , فلنسعد بهذا الجهد الروائي الجميل ولننتظر القادم الأجمل
من المبدع المزيني.