مسرحنا والهوية قضية ليست وليدة ولكنها قديمة بقدم تاريخنا المسرحي منذ أن أراد الأديب أحمد السباعي إدخال هذا الفن إلى بلدنا،ولكن بعد مرور سنوات على هذه الخطوة وفي ما نعيشه الآن من إنتاج مسرحي هل أوجدنا هوية واضحة المعالم لمسرحنا السعودي ؟
حول هذا الموضوع تحدث الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي حيث قال (في تصوري أن مسرحنا هو مسرح بدون لا هوية له، مسرحنا ينام في الشوارع، إن استضافة أحد ليوم ليومين لثلاثة ثم يطرد ليعود للشارع مسرحنا جائع فما يصرف عليه لا يكفي لكي يجعله يعيش الصورة قاتمة تماماً، ويوجد في داخلها مساحات البوح فيها موجع وجارح لكن كيف يتسق ذلك مع وجود عشرات من المسرحيات سنوياً وبها بعض التجارب الهامة التي تسجل على مستوى عربي والإجابة ببساطة تكمن في أن هذا المسرح قيض له رجال يحفرون في الصخر لتسكن تجاربهم لكي يقال: إن هناك مسرحا، في اعتقادي أن قيمة التجربة المسرحية تكمن في هؤلاء.
أما السؤال عن هوية من لا هوية له فهي مشكلة كيف تكون هناك هوية لمن لا يملك قاعة مسرح واحدة ملك له ويسكن بها ويتصرف بها لكي يستمد من تجاربه عليها هويته، مازلنا تقلد تجارب نستمد منها ما يمنحنا شكلاً، لكن الهوية تحتاج لتراكم أجيال ولاعتراف بالوجود ولهوية واضحة لا لبس فيها)
ويعلل المخرج المسرحي علي الغوينم عدم وجود هوية موحدة للمسرح في المملكة يعود لاختلاف ما يقدم من أعمال مسرحية في مناطق المملكة حيث تختلف أشكال وأنواع المسرحيات المقدمة وتوجهها وتأثرها بمدارس مختلفة فبعضهم يستمد هويته من التراث وبعضهم يتجه إلى التجريب وفرق أخرى تميل إلى المسرح التجاري أي بمعنى وجود هوية لكل فرقة دون الأخرى ولا يوجد توجه محدد مما يدل على عدم الاتفاق على هوية ثابتة لمسرحنا .
ويقول الإعلامي والناقد المسرحي عباس الحايك (أن معظم العروض المسرحية السعودية التي تقدم موسمياً في الأعياد أو التي تقدمها فروع جمعية الثقافة والفنون قد ابتعدت عن الانشغال بسؤال الهوية بمعناه الفلسفي والوجودي فإما أن تكون هذه العروض منشغلة بقضايا مجتمعية ليست بأهمية تذكر، أو تنشغل بتسطيح قضايا مهمة تعني الإنسان في هذا البلد وتهمشها)
ويرى الحايك أن العروض التي تقدم من قبل الكثير من الفرق لم تنشغل في تناول قضايا المجتمع السعودي،ولكنها توغل في التغريب باسم التجريب الذي بدا صرعة صار يركبها كل من رغب في المشاركة في مهرجان!
ويضيف (إن المطلوب من المسرح أن يقترب أكثر من المجتمع السعودي، وأن يجد فيه هذا المجتمع صورته، همومه، وهواجسه، حتى لو تنازل عن هذه الصرعة المستوردة (التجريب) التي ستؤخر المسرح وترجعه إلى نقطة الصفر إن لم نع تماماً معنى التجريب، وكيف نجرب. المسرح بحاجة لأن يطرح قضايا الانتماء خاصة عند الشباب الحائر بين الأصالة والعودة للجذور التي يُطالب بها، وبين المتغيرات الحديثة التي طرأت على شكل الحياة والتي قد تبتعد عن هذا الأصالة، وهو بحاجة إلى أن يطرح قضية هامة جداً مثل قضية الإرهاب، بحيث يحللها ويفككها ويتناولها بفكر، وبحاجة لأن يتناول قضايا كانت موضوعات لمؤتمرات الحوار الوطني، فلو امتلك المسرح الشجاعة لأن يكون أكثر جرأة في تناوله لهذه القضايا وغيرها من القضايا التي تهم الجمهور السعودي الذي سيرى ذاته في هذا المسرح، فإنه سيمتلك هويته وانتماءه الحقيقي، وسنرى مسرحيات سعودية حقيقية غير مشوهة).
ويقول المخرج والإعلامي علي السعيد (يمكن أن نتلمس هوية أو شخصية المسرح السعودي من عدة مستويات فالمستوى الأول وهو مستوى السمية والشرعية القانونية والنظامية ففي سنوات ماضية كان المسرح في تبعيته الإدارية مشتتاً في دهاليز رعاية الشباب لم يحظ بما حظيت به شقيقته الرياضة من عز ودلال، ولكنه ظل ذلك الأخ الوديع القانع بما يأتيه من فتات، ولا ندري على من نلقي اللوم في ذلك هل على راسمي سياسته أم على مديريه أم على من ينتمون له .. لكن باعتقادي أن اللوم يقع على الجميع على راسمي سياسته على جهلهم، وعلى مديريه على تقاعسهم وعلى المنتمين له على صمتهم وقنوعهم وخضوعهم. واليوم وقد أصبحت الهوية الرسمية للمسرح في المملكة أكثر استقلالية بإنشاء جمعية المسرحيين السعوديين فإنه يعول على القائمين عليها (وأنا أحدهم) الكثير في تحمل مسؤولية إعادة التخطيط وإرساء بنية أساسية للمسرح في المملكة تقوم على التخطيط للمنشآت والتدريب والتأهيل والتواصل مع الآخرين من أجل النهوض بالحركة المسرحية. أما المستوى الثاني الذي يمكن أن نقرأ من خلاله هوية المسرح السعودي ألا هو الطرح الفكري والفني المقدم من خلال العروض المسرحية وال السنين الماضية هل عبر فعلاً عن هوية وشخصية المسرح السعودي.. لا شك أن هناك كثيرا من الأعمال المسرحية التي عبرت بصدق عن هوية ثقافية واجتماعية سعودية عبر طرح القضايا اليومية والإنسانية للمجتمع من مختلف مناطقه وفئاته وإن تباينت جودة هذه الأعمال من الناحية الفنية بين عمل وآخر وذلك بسبب التباين في الخبرات الفنية لدى القائمين عليها من ممثلين ومخرجين وتقنين إلا أن ذلك لا يجعل وضوح الشخصية والهوية السعودية في العمل المسرحي والأمثلة على ذلك كثيرة بدءاً من: العزوبية، والسبع، ومن طمع طبع وطبيب بالمشعاب (وهو عمل معد عن موليير الفرنسي إلا أنه قدم بشخصية سعودية صرفه) مروراً عقاقير وعقارات، وآخر المشوار وقطار الحظ، صفعة في المرآة، وواحد صفر، والخراريز، وتحت الكراسي، والمهابيل، وزواج بالجملة، والصرام، والأيتام، والمطاريش، وقبة رشيد، وحكاية ما جرى، وناس تحت الصفر، والسكين، جراح بن ساطي، وباقي الغسيل، وامصعه مصعة مصعان، وانتهاءً باستراحة دوت كوم وعليهم عليهم وسوق الهوامير، وفي ذات الوقت نجد مساراً موازياً لهذه الشخصية المحلية ألا وهو الهوية العربية والإسلامية التي من خلالها يعبر المسرح السعودية عن قضايا أمته الكبرى بكل شجاعة الذي فنجد مع الخيل يا عربان، وابن زريق لميتد، والبطيخ الأزرق، والسنين العجاف، والهيار، والجراد، ويا رايح الوادي، القافلة تسير، القبو، أبو الخيزران يغفو مؤقتاً، وزمن الكلام، الدمل، والنبع، ولعبة كراسي، والدمى وارتكاس والرجل والحذاء، وصامولي..... الخ.
في حين يبقى الطرح الفني في تقنية الكتابة للنص المسرحي المحلي بالخروج عن الواقعية والغوص في التراث المحلي من مختلف مناطقه والبحث في أشكاله وألوانه عن ثيم مسرحية نجد أن ذلك ظهر بشكل بارز في مسرحيات: ديك البحر، الهيار، سوق قبة رشيد، حكاية ما جرى، الصرام، سوالف ليلة عيد، جبا يا هوه.. الخ.
المستوى الأخير الذي يمكن أن نقرأ من خلاله هوية المسرح السعودي هو تقنيات الإخراج والتمثيل والمسرح السعودي شأنه شأن المسرح العربي بشكل عام من خليجه إلى محيطه ومروراً بكل بياناته التي مرت خلال العقود الماضية لم يستطع تجاوز مدرستي ستانسلافسكي وبريخت.
باختصار لا يمكن تلخيص هوية المسرح السعودي بعنوان صارخ أو هجومي كما يعمد بعض الزملاء المسرحيين الذين يلجأون في ذلك رغبة في لفت الانتباه الإعلامي بل بدراسة وقراءة متأنية لمجمل عروض المسرح السعودي وفق المستويات التي ذكرتها سابقاً وبتمحيص أكثر لتلك العناوين التي ذكرتها وقد أكون نسيت عروضاً أكثر أهمية، ولا يكفي أن نتعامل مع النصوص فقط بل يجب أن نشاهد العروض ومن حسنات مهرجان الجنادرية أنه وثق جل تلك العمال المسرحية.