قال لي مخرج مسرحيّ محب للتجديد: حتى الآن لم أعثر على كاتب قدير موهوب، يؤلف المسرحية التي أحلم منذ سنوات بإخراجها وتقديمها إلى الجمهور.
قلت: ولكنّ التأليف بات الآن هدفاً سهلاً لكلّ طامع، فلماذا لا تحاول أن تؤلف أنت تلك المسرحية التي تحلم بها؟
قال: هذا ما أنويّ فعله خاصة وأنّ أفكارها ومشاهدها شديدة الوضوح في ذهني، ولا تحتاج إلاّ إلى جهد بسيط لوضعها على الورق.
قلت: إذن لا داعي إلى التردد، وتوكّل على الله، واشتر أقلاماً وأوراقاً وابدأ الكتابة فوراً.
قال: سيكون اسم مسرحيتي هوّ (المفاجأة) لأنّها ستكون مفاجأة للمتفرجين.
قلت: هذا اسم مناسب تماماً، فالحياة العربيّة صارت مملة تخلو من المفاجآت.
قال: مسرحيتي لن تشتمل على أي حوار، ولن يمثل فيها أي ممثل أو ممثلة بل سأستخدم فيها فقط شبّاناً أقوياء رياضيين مفتولي العضلات وبعض الأطباء والممرضات.
قلت: لا بدَّ من أنَّ أحداث مسرحيتك ستجري في نادٍ رياضي ومستشفى.
قال: لن أعرض مسرحيتي إلاّ في حفلة واحدة، وستتألف من مشهد واحد طويل، يظهر في بدايته شبّان مفتولو العضلات يقفون على خشبة المسرح صامتين وهم يحملون عصيّاً غليظة، وسيظلّون صامتين، ولا تبدر منهم أيّة حركة حتى يسأم المتفرجون ويتصايحون متذمرين، وعندئذ تبدأ أحداث المسرحية، ويقفز الشبّان المسلحون بالعصيّ إلى الصالة، ويضربون المتفرجين ضرباً شديداً، وسيحاول المتفرجون الهرب، ولكنّهم سيخفقون لأنّهم سيباغتون بأنّ كلّ الأبواب موصدة بإحكام، وسيستمر الضرب الموجع من دون أيّة رحمة أو شفقة. وهنا يبدأ دور الأطباء والممرضات، فكلّ متفرج تسيل دماؤه وتكسر عظامه ويغمى عليه، يتولى الأطباء والممرضات إسعافه والعناية به، ولا تنتهي المسرحية إلاّ بعد أن يتمّ التأكد من أن كلّ متفرج قد نال نصيبه من الضرب.
قلت: أنت بالتأكيد تحتاج إلى مستشفى مجانين. لماذا تحقد على المتفرجين إلى هذا الحدّ؟
قال: لو عرفت الأشخاص الذين سأدعوهم إلى حضور مسرحيتي لما اتهمتني هذا الاتهام الظالم، ولقبلت يدي شاكراً، واعتبرتني فناناً عظيماً يحقق ما يحلم الناس بفعله، ولكنّهم لا يتجرؤون على فعله.
قلت: ومن هم هؤلاء الأشخاص الذين ستدعوهم إلى مسرحيتك؟
قال: ما دمت قد سألت مثل هذا السؤال الأبله، فاعتبر نفسك منذ الآن مدعوّاً إلى مسرحيتي.
قلت: أظنّ أني عرفت من ستدعوهم، وإذا كان ظني ليس مخطئاً، فما الحاجة إلى الأطباء والممرضات؟
لندن