لسان حالي، وحال الأصدقاء والزملاء من جيل (محمد العجيان) أو ما يقاربه، ومع حفظ الألقاب والترتيب - (محمد العلي الخضير)، (عبد الرحمن الشثري)، (حمد القاضي)، (مسفر سعد المسفر)، (عبد الرحمن العليق) أبو يعرب محمد القشعمي، وغيرهم وجميعهم من أصحاب الريادة الإعلامية والصحفية. ومن أصدقاء ومحبي (أبو خالد) وكنت أنا من بين تلاميذه، وجيل آخر منهم (صالح الصويان) و(محمد أبا حسين) وآخرون كُثر. يشعرون أن حالة الوفاء والتقدير لهذا الرائد الذي أكمل بأمانة مسيرة الرواد المؤسسين لصناعة الصحافة في بلادنا، خاصة في مدينتنا (الرياض) وصحيفتها (الرياض). كان يجب أن تكون في وقت وزمن، غير زمنها ووقتها الآن، حتى لا تشوبها حالة من طغيان عاطفة المحبين والمقدرين للدور الذي قام به محمد العجيان، في التأسيس والتحديث لمهنية وحرفية الصحافة، والتمهيد لعصرها المبهر الآن؛ لكن ليس في استطاعتنا جميعاً - وكان معظم من ذكرتهم في زيارة محبة ووفاء لأبي خالد محمد العجيان - تقديرا من ما تخبئه الأيام ومجريات تقديرات الحياة، المحكومة بتقدير خالق الإنسان ومنشئ الحياة، رغم مأسوية الحياة وإبهاجها، في جدلية محكومة بتقديرات القدر المحكوم بقدرة الخالق سبحانه وتعالى، فإن صوت سلفنا الشاعر (تميم بن مقبل) يعلو ممنياً كل منا بأمنية، تستفز نسق الحياة وقدريتها (ما أطيب العيش لو أن الفتي حجر تنبو الكوارث عنه وهو مأمول).
وها هو (محمد العجيان) بيننا الآن - بفضل العناية الإلهية - وبمحبة محبيه، ووفاء أبنائه، تلمع عيناه، وتعلن ابتسامته، عن رغبة مُحبيه، في استمرار الحياة، بعد جائحة المرض المفاجئة، التي داهمته على غِرة وبدون مواعيد مسبقة، ولله في خلقه شؤون. لقد باعد (محمد العجيان) بينه وبين ركوب الطائرة طيلة حياته، كان لا يحب ركوب الطائرة، وحادثة السودان المشهورة معروفة بين المقربين منه، وقد أشرت إليها في مناسبة سابقة، فلقد أُخذ عنوة في رحلة صحفية إلى السودان، حيث استقل الطائرة (للمرة الأولى) من جدة إلى الخرطوم، وعاد على ظهر باخرة من مرفأ (بورت سودان) محملة بالمواشي، ولكنه الآن ورغماً عنه يركب الطائرة في أطول رحلة عبر الفضاء في حياته، من الرياض إلى ألمانيا، والحمد لله أن عاد مكللاً بما منحه الله له من الشفاء الذي ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتكامل وتعود كامل عافيته، ليملأ حياتنا أُلفة ومحبة، ويمارس هوايته المحبة، في صياغة وإحكام (المقالب) الشخصية لأصدقائه ومحبيه.
على المستوى الصحفي والمهني، (محمد العجيان) أحد البارزين في جيله. كان حسه الصحفي حاضراً، غير أن الظروف المحيطة به، وظروفه الشخصية، لم تتح لهذه المهنية المتميزة أن تستمر إلى أبعد مدى مما حققته في وقتها، وقد استمر هذا الحس الصحفي وهذه المهنية بارزة في عمله الخاص، ابتداء من إصداره لنشرة صحيفة أسماها (نبراس) ومن ثم في مؤسسته الصحفية الإعلامية التي يديرها الآن. لكن هذا التوجه كان يحمل في طياته وهواجسه، نوازع الاستقلال التي كانت تنطوي عليها شخصيته. وهو ما حرم تلاميذه وجيله من استمرار تأثيره المباشر فيهم. وأنا واحد من أولئك الذين تعلموا من العجيان فنون العمل الصحفي. وبما أنه أحد المتميزين في كتابة العمود الصحفي (الزاوية) فلازلت أتذكر وهو يقول لي في يوم من الأيام: إن بداية الموضوع مهمة في كتابة (الزاوية) الصحفية. وهي ما يعرف بالاستهلال في القصيدة مثلاً، وكان يقول ابحث عن كتب أهم الكتاب الصحفيين الذين أصدروا مقالاتهم في كتب. أمثال (كمال الملاخ) و(جلال الحمامصي) و(أنيس منصور) و(التابعي) و(مصطفى أمين)، وتمعن في قراءتها. وفي مجالات العمل الصحفي الأخرى، وبحسه الصحفي المتنامي، كان يخطط للتحقيقات الصحفية، ويستخلص من الأخبار الصحفية موضوعات لتحقيقات صحفية يطلب تغطيتها.
لم يكن يتعمد أن يكون ذلك المسؤول المباشر عن التحرير، الذي يمارس سلطته الآمرة والناهية أو المتسلطة، كل من كان يعمل معه وهو مدير التحرير، كان يشعر أنه زميل كمثل باقي الزملاء. حتى في توجيهاته لم يكن يشعرك بأي نوع من التعالي، كان يغلف كل ذلك بأساليب مختلفة من فنون الدعابة والمرح. ولم يكن يمارس أستاذية مباشرة متعالية.
ولم يكن شخصاً تصادمياً، ولا ميالاً إلى صناعة (المحاور) وإقامتها من أجل أن يُحقق منصباً، ولم يكن يترصد لذلك. ولذلك حينما شغر منصب رئيس التحرير الذي كان يشغله (أحمد الهوشان) الذي كان منشغلاً بعمل إدارة المؤسسة، حتى مجيء الراحل (عبدالله القرعاوي) كمدير عام للمؤسسة. كانت المفاجأة لجميع الزملاء، أن (محمد العجيان) آثر الانسحاب ولم يقفز إلى المنصب، وربما كانت له حساباته الخاصة، التي تتفق ونوازعه الشخصية متصالحاً ومخلصاً لها. بعد سنوات أصبح رئيس تحرير جريدة (اليوم) بعد أن طُلب إليه بشكل رسمي أن يتولى رئاسة تحريرها وكانت له بصماته الملحوظة في تطويرها. ولم تكن سوى محطة عابرة. آل بعدها إلى التوحد مع ذاته ونوازع شخصيته التي أخلص لها وأجاد فن التعامل من خلالها مع الحياة والناس.
أتذكر أنني جئت إليه في يوم من الأيام - وكنت محررًا لصفحة الأدب - طالباً أن نُحول الصفحة إلى ملحق من أربع صفحات، وكانت الجريدة اثنتي عشرة صفحة. وكانت الإمكانات الطباعية متواضعة جدًا. ماكينة طباعة واحدة من ماركة ألمانية تدور بحذاف يدير مجموعة من (التروس) لا أتذكر اسمها الآن، ويديرها فني مهوب بالبداهة النجدية (عبد الرحمن الصميت) قال لي (محمد العجيان) هل تستطيع تدبير المادة الجيدة كل أسبوع، وبدون مكافأة للكتاب، أو محررين من الخارج، حينما قلت له إننا نريد أن نحقق (سبقاً) غير مسبوق في صحافتنا ولن نطلب غير أربع صفحات. قال: رتب أمورك مع (الصميت) لم تكن الإجراءات معقدة، كانت تمضي بهذه البساطة المدفوعة بالحماس والإخلاص. كان يقرأ الملحق بعد الطباعة مع القراء، كان يثق في قدرات العاملين معه وشعورهم بالمسؤولية. وكنت صديقاً لطيب الذكر (عبد الرحمن الصميت) ومجموعة الفنيين في الجمع والتوضيب (عاشور) و(فائق زند الحديد) و(سليم) كان (الصميت) في معظم الأمسيات يستضيفني على العشاء في المطبعة معه وكان في أغلب الأحيان (مرقوق علي الضبان) وماكينته تدور بأولى صفحات الملحق. هذه هي الأجواء العملية، التي صنعها (محمد العجيان) كان يدير العمل ويقوده بلمحات ذكية من الحب والتقدير.
القاهرة
E:marspub2002@yhoo.com