كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس (أحد الإصدارات التي تزخر بها رفوف المكتبات من شطار المؤلفين، أجزم أن المكرَم الجدير بأكثر من التكريم - الأستاذ الحبيب الغالي محمد العجيان - شفاه الله وعافاه - لم يطلع عليه ولم يسمع به، لكنه النموذج أو التطبيق الفعلي الصحيح لما أراد المؤلف من الإنسان أن يؤثر في الناس ويكسب الأصدقاء، فالأستاذ العجيان لا يسعى لكسب الأصدقاء لا لأنه لا يريدهم بل لأن كل من يعرفه مجرد معرفة يجد فيه - في العجيان - مشروع صديق فوري لجاذبية خاصة فيه مذهلة، بل سر وسحر ذاتي لا يُفسَّر ككل الأشياء الغامضة التي يأتى جمالها في غموضها، جاذبية أكاد أقول أنها ماركة لا يملكها إلا النوادر من الناس، مثل الأستاذ محمد العجيان.. تلقائية عفوية صادقة. هو ليس صاحبي وصديقي فقط، بل هو أكثر من ذلك، هذا الأمر يعني لغيري شيئاً ولكنه يعني لي أشياء وأشياء. قد لا يتسع المجال أن أقف على محطاته المهنية وما أكثرها وأهمها وأجدرها بالحديث - مثلاً - لا جدال أنه رائد صحفي سيقول الزملاء الكتاب عنه ذلك.
وسيتحدثون عن سيرته المهنية الغنية بالعطاء والإنجاز والتجديد في الصحف التي عمل فيها ورأس تحريرها والتي أعاد تأسيسها كجريدة اليوم في المنطقة الشرقية ومجلة اليمامة كذلك، لكن لا أعتقد أن أحداً يعرف أن حبيبي محمد العجيان هو أول من نشر خبراً صحفياً بالصورة من الرياض في جريدة يومية (البلاد) الوحيدة كانت قبل الثمانينات الهجرية..! الخبر والصورة استوقفاني وكنت مشدوداً للصحافة كلي ولع وشغف بها - مع الأسف.
ولكن بيني وبينه أوامر وعناصر وجدانية لا تدرك للغير، ربما كانت أحد مفاتيح شخصيته.. إنه الإنسان الأليف المهذب طري اللسان، رفيع الخلق، متسامي الشخصية، يتأثر ويؤثر. هو ليس شقيقي لم تلده أمي فقط، بل روحنا واحدة ترفرف وتحلق في جسدين قلما يفترقان.. لا يفصل بينهما إلا السفر!! إن كان في مكتبه وكنت في مكتبي فالهاتف يربطنا، يكاد يكون أكسجين حياتي ومقلة عيني! بل لا تستغربوا أن أقول جمعنا اليتم منذ شهور ولادتنا الأولى.
رغم مرحه وحبه للحياة وسرعة بديهته وحسن معشره وحبه للنكتة وتركيبه لها، فهو يحمل في أعماقه حزناً دفيناً ويغالب الهم ولا يعرف بهمه أحد. وهو لا يفصح ولا يشكو ولا يعرف بشئونه وشجونه إلا الله، ومن هنا كانت قسوته على نفسه وانفجار الألم وإصابته بالجلطة، وإن أفصح أفصح باقتضاب لأحدهم ربما يكتم كثيراً. لا تعنيه الدنيا أو أموالها أو التفاخر بالبنيان وإنما هم ذاتي عجيب. كان الله في عونه، طحنتني الديون منذ عشرين عاماً وشاركني همها وكأنني - هو - وفي يوم بعد المغرب اقتادني شرطيان من المسجد قرب بيتي إلى مخفر الشرطة في الملز وقيدت يدي بالحديد لأبقى إلى الصبح لأمثل أمام القاضي في قضية دين ولم يكن الضابط المناوب موجوداً وعندما حضر أخرجوني من غرفة الحبس ومثلت أمام ضابط وأمكن أن يخرجني بالكفالة الحضورية إلى الصبح، فمن كان الكفيل (غيره) (محمد العجيان). كان الله في عونه رجل المهمات والملمات بالنسبة لي.. أكاد أقول إنه أبي أيضاً لو لم نكن متماثلين في العمر، وكما كنت أقول للأستاذ فيصل ابنه بالهاتف وأنا أتابع حالته في ألمانيا وهو تحت العلاج هناك -شفاه الله وعافاه- ليس مرة أخرى بل مئات المرات.
كتب مرة بمرح ساخراً يقترح على إدارة المرور أن تغير عقوباتها على المخالفين للسير وأنظمة المرور بأن تعاقبهم بوضعهم في غرفة تغلق وتضع أمامهم أيضاً التلفزيون السعودي ليبث برامجه عليهم وتجبرهم على مشاهدته عدة ساعات، ويقيناً بأن هذه العقوبة كافية بأن يكفوا عن المخالفات!!
لونتنا طبيعة الأحزان ووحدت تفكيرنا، وحتى أمراضنا لا تختلف عن بعضها، علته وعلتي واحدة شكواه وشكوتي واحدة!
لم نختلف في شيء إلا أن نجاحه فاق فشلي والحمد لله، خطاه أسرع من خطاي، منظم الفكر، دقيق رفيق هادئ كالنسمة. قال الأستاذ تركي السديري في نعيه للمرحوم الكبير الأستاذ الشاعر عبدالله القرعاوي: (نجح أن لا يكون له أعداء)، وهذه في العجيان أيضاً ممكن أن نتصور مجرد أن يكون له أعداء أو أن يختلف مجرد اختلاف إلا بالرأي والفكر مع أحد، وهذا طبيعي وحق بين كل إنسان وإنسان، أما في الحياة والخصوصيات الشخصية فلا شيء إلا الود بينه وبين كل من يعرف والابتسامة الراقية بل الساحرة تعلو شفتيه. يقول الكاتب في جريدة الشرق الأوسط الأستاذ مشعل السديري إنه حين يسأل الشاعر الدكتور غازي القصيبي اكتفي منه عن الجواب بابتسامته الساحرة (ابتسامة الدكتور) وأكاد أجزم أن سحر الابتسامة فن وموهبة أو هبة من الله لا تملك أرض الجامعات أن تمنحها ولكنها في الغالب تبثها ندى وسوية النفس وبساطة الشاعر والحس الإنساني المرهف، فمن لنا بمحمد العجيان أو غازي القلوب عملاق الإنسانية القصيبي الشاعر الدكتور وغيرهما إن شاء الله..
وبمناسبة ذكرهما - القصيبي - العجيان فهناك موقف فيه وفاء من كنوز العجيان من ناحية وذكرى غالية على قلبي مع الدكتور الشاعر الغالي غازي، لقاء بعيد في أغوار الزمن نسيه قطعاً الدكتور غازي ذلك حينما كان المدير العام للسكة الحديد، كانت تشغلني فكرة تطوير (جريدة اليوم.. المتردية التي لم تكن تحمل من معنى الجريدة إلا الاسم فقط وكان كمحب لبلاده ولصحافتها وللفكر فيها - الدكتور - عندما زرته كان مرحباً ومؤيداً لمشروعي لكن الحديث الرحب والعميق تطرق لقضية أكبر وأهم.. قضية الحضارة وتطور بلادنا.. وجهة نظر معاليه أن الزمن كفيل بذلك وعلينا الصبر!! غير أن رأيي اختلف عن رأي الدكتور أن كل شيء سيبقى إن لم نتدارك الأمر وسنجد أن الزمن أفسد علينا ما يمكن إصلاحه وتداركه قبل فوات الأوان، وتشعب الحديث وطال.. غير أن الزمن الفارق بين وقت الحديث ووقت كتابة هذا المقال ومساحته يجعل من الصعب توضيح وجهات النظر بشكل منصف لكل من الطرفين فقد أكون لم أنصف في تصور وجهة نظر الدكتور أستاذي غازي ولكنها ملامح في ذهني من ماضٍ بعيد! وحضوره للدكتور سلفاً.
ما أعنيه بعد ذلك أنني تباطأت في مشروع جريدة اليوم التي واصلت الترنح وتتالت الأحداث سريعاً، توفي الملك فيصل -رحمه الله- وتولى الملك خالد، وتغير وزير الإعلام وأصبحت هناك حركة وتغيير وطفرة كبيرة ولم أدرِ إلا وأخي وحبيبي - الأستاذ محمد العجيان يثير المشروع في ذهني أنه سوف يتصدى للمهمة، فهل لازلت سأقوم به أم لا؟! يسألني وما كان بحاجة لذلك ولكنه أدبه الرقيق لأنه كان يعرف أن ذلك في ذهني فقد كنت مرآته وكان هو مرآتي هو قلبي وأنا قلبه، فما كان إلا أن ابتهج فهو أولى مني.. هو أكفأ وأقدر ومهمته صعبة ولن يذهب إلى المنطقة الشرقية للسياحة والاستمتاع بشواطئ الخبر، كان الله في عونه وكان ما كان جريدة يومية كبرى تعدت بصوتها وصورتها وهيكلتها حدود المنطقة إلى الخليج وتجاوزت الرياض إلى المنطقة الغربية ووصلت الرياض وبيروت والقاهرة وغيرها وظهر على صفحاتها كتاب لم تظهر أسماؤهم في صحيفة أخرى بعد. والتاريخ الصحفي يشهد له بالكثير، أسس المطابع وداراً للجريدة، وشكل مجلساً للإدارة جديداً وأدخل أعضاء للجمعية العمومية وإدارة مختلفة.. و.. و.. مما لا يخفى، رسم ترويسة فريدة للجريدة لا يختلف عليها أحد لكنها حُورت وشُوهت الآن بحجة التغيير الذي يفسد، بينما الصحف العالمية تبقي لون وشكل الجريدة مئات الأعوام وليس عديد السنوات ولنأخذ الأهرام مثلاً!! ولكن لنا في صحفنا شؤون وشجون!
هل ترى يوافق الأستاذ الدكتور غازي على مقارنة سحر ابتسامته بابتسامة الأستاذ العجيان الساحرة؟ ولكن كيف يضحك الأخير!! إنه يذكرني بضحكة الأستاذ علامة الجزيرة الراحل الشيخ حمد الجاسر الأثيرة كأنه (مايسترو) ماهر يعزفها لا تود أن تنتهي! لها جرس يمس قلبك قبل أن تمر عبر أذنك، ماذا أقول أيضاً!
إن سيرة الغالي العجيان حياة كالبستان الذي لا حدود له، وارف الأشجار، كثيرة نخيلها، باسق وثمرها متعدد ووردها ياسمين وجوري عبير وأريج تفوح منه الأطايب والعطر تنتشي به ولا تكتفي، تنهل من النبع الصافي ولا ترتوي كقلبه أبيض ناصع كالثلج ولا تسأل عن سحر حديثه تتمنى أن لا يسكت. إنه بالنسبة لي حينما يقرأ الصحف ينتقي لي القصاصات التي يرى أنها تناسب رغبتي وينقل لي انطباعاته حينما يسافر.
يحب السفر والرحلات.. يحب الحياة ويستمتع بالطبيعة وبعينية رغم ضآلة نظره فهو يرى أكثر مما يرى واسع النظر.
يدخل الزوايا في المدن وينتقي الكتب والصحف والتراثيات وكل شيء أشاركه فيه.. حينما تمكن بمعجزة من بناء فيلته بالملز التي يسكنها حالياً أشقاه بناؤها كثيراً وأنهكه وباع سيارته لينفق عليها، افتخر أمامي أنه استفاد من تلك الطفرة! ولامني أنني لا زلت أسكن بالإيجار. تصوروا يرى أنه استفاد من طفرة ضخت ملايين المليارات واستفادته كانت مجرد فيلا فقط تضمه وعائلته، فأي قناعة أكثر من ذلك، لا أسهم ولا عقارات..!! لا شيء لا شيء مطلقاً، إنه نسيج وحده.. هناك في أعماقي عناصر في شخصية الأستاذ العجيان لم أقلها بعد، كيف تفارقنا والتقينا إلى غير ذلك، ولكنني أشعر بالإطالة وزحمة هذا الموضوع ولعلني أكتفي بما سلف.. حفظ الله حبيبنا وصديقنا الصحفي الكبير بل خبير الإعلام الذي لن يتكرر، فلم تستفد منه الصحافة ولم يستفد منه الإعلام في الجامعات بشكل يثري -عافاه الله وشفاه.
الرياض