الكاتب صالح عبدالعزيز العديلي شغل منذ أعوام باقتفاء خطاب البيئة الحكائية المحلية، حيث تكمن الصورة الإنسانية البسيطة بأبعادها التاريخية والجغرافية والحديثة، لنراه وقد دون من خلال روايته الجديدة (عرس المزيونة) العديد من الصور اليومية لحياة الناس البسطاء إلا أن هذا الاستعراض يأتي محملاً بوهج البحث عن الذات وتحقيق معادلة (الحياة/ الجمال)، فكل ما ورد في الرواية هو محالة من الكاتب العديلي نبشٌ لمخزون الذاكرة من الحكايات الفطرية لكنها حكايات تتسم بتجربة الحياة الجادة المكتنزة بالجماليات.
فقد ظلت هواجس الإنسان، وتأملاته العفوية.. بل هذيانه هو يصنع وجوده في الرواية.. فقد اعتمد الكاتب على تناول كل شاردة وواردة في أصل حكاية الناس وفصلها فلم يعد هناك أي وجود للحدس والظن والتجريب.
فالحدث الرئيس لم يكن ماثلا للعيان لأن هناك في رواية (عرس المزيونة) من يصوغ أحداثه الصغيرة والمتناثرة بطريقته الخاصة، فالكاتب العديلي يرى أن (أبو حجاب، وشافي) لديهما من البوح ما يمكن أن يقيم أمد الحكاية ويسجل حضورها القوي في ذات المتلقي.
تعزز الحكاية الريفية وجودها بما تسنى من قصائد وأبيات شعرية تسند النص، وتحقق له جاذبيته، فالأبيات الشعبية المنتقاة هي إضافة نوعية، بل هي بعد آخر لسيطرة اللغة الدارجة والمألوفة على فضاء الرواية التي وظف فيها الكاتب اللغة المحلية بشكل واضح حتى باتت على هيئة حكاية أو (سالفة) في وقت كان من الأجدى أن يكون الكاتب على الحياد في تناول اللغة لكي يجعل له مزيداً من القراء في العالم من حوله.. وهو وإن وثق هذه الفترة الزمانية في (حائل) هو بحاجة إلى نافذة تطل منها على القارئ في كل مكان، لأن لغة الرواية مغرقة في محليتها وبأحداثها الخاصة، بل وحتى لغتها ربما لا تساعد على مزيد من القراءة.
فهرس المزيونة لدى العديلي يقابلها بالدلالات وأبعاد الحياة الريفية رواية (عرس الزين) لدى الروائي السوداني الطيب صالح إلا أن رواية الأخير عملت على أن تكون اللغة مشاعة للجميع، بل ومسجلة حضورها لدى المتلقي بشكل واضح، فقد لا تجد أي معوقات في قراءة تفاصيل (عرس الزين) في وقت قد تقف اللغة الدارجة حائلا بين (عرس المزيونة) والقراء الذين لاشك أنهم يجهدون في محاولة النقاط مفردة للخطاب الإنساني الذي يتقاطع كثيراً مع هموم الناس في كلا العملين اللذين يتكئان على الحكاية وتفاصيلها العفوية والبسيطة.
(عرس المزيونة) للعديلي تطواف واعٍ في العديد من قضايا المجتمع لدينا، إذ يسعى الكاتب من خلال عرض هذه الأحداث إلى بناء علاقة وعي حادثة بين الأبطال والشخوص وبين المتلقين الذين يتوقون إلى التقاء ما يشبع فضولهم في هذا العمل الذي ينهل من معين الحكاية.
تتوالى فصول رواية (عرس المزيونة) الثلاثين مؤكدة على أهمية بناء علاقة جدلية ممكنة بين الماضي المتمثل في حكايات (أبو حجاب) و(شافي) و(أبو فلاج) و(خلفة) و(أبو عبدالله) وبين الحاضر المتمثل في استنارة الكاتب ووعيه الحاد حيث بنى لنا ومن خلال هذه الرواية معادلة الإنسان البسيط الذي يزداد براعة كلما أخذ في سرد حكايته الموغلة في عتقها وعفويتها، وغرابة أطوارها.
مساحة السرد في الرواية مترامية شملت الجزيرة العربية وبلاد الشام وحكايات أخرى أسهمت في توسيع خصوصية هذه الحكاية الذي عني العديلي في اقتفاء تفاصيلها حيث أخذها من أفواه الرواة، وصاغها بشكل جديد في محاولة منه أن ينبش المخزون العظيم للذاكرة المحلية التي تتسم بالعفوية والتلقائية ووضوح الفكرة.
***
إشارة:
* عرس المزيونة (رواية).
* صالح بن عبدالعزيز العديلي.
* دار الأندلس - حائل 1429هـ.
* تقع الرواية في نحو (400 صفحة) من القطع العادي.
******
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب5217 ثم أرسلها إلى الكود 82244