مضت آلاف الآباد منذ اشترع القمر حزنه الكوكبيّ
يستدير مصقولاً أبيضاً ثم يمّحي في يقين ابله
لا زال في غيبوبة سادرة
تتصاعد خيوطه وتنقبض
يقتطع ظلاله بيديه
ويعد أشياءه الباهتة كلّ مساء وينثرها في فتور عاطل على الشعراء والمريدين..
ومرتادي العتمة الهرمة.
وهناك تبسط شجرة العرعر أطرافها على أفقٍ تيّاه مغامر كأنما هي تخلط بأوراقها ضجيج الجنّ وجلبة الأشباح
وتجوس أغصانها الراقصة في رحم الليل البهيم
باحثة عن موسيقى أنسية
أو عن سحر الوجود ولذة العالم الرحب الوسيع
لكنها تتلاشى سدى
فلا شيء،،،
لا شيء إلا الهباء الغامر.
وعلى امتداد زمني غارق تتبرج الصخور..
مزهوة بصلادتها
تطل بنظرات عتيدة على الوادي السحيق
ترفرفُ بآيات بقائها اللانهائي، وتلوّحُ للمفاجآت بمزق خرائطها الوثنيّة.
أنا مؤمن أن الحجارة تحتضن بحيرة مكنونات سرية غيبيّة
لذا أجد عذراً لمن عظمها، وبجلّ خلودها
والتراب في أبّهة حاضرة
كيف استلقى!
سافر في عمق الأمكنة،
واتجه باكراً إلى عين طفولة الخليقة
محارب صنديد هذا التراب
قويّ كالغيب
ومترف كحلم تذروه القِبلة
لن تعثر فيه إلا على رؤى الباطن الساخن
منبثقةً من بين ركاماته الرخوة اللدنة
وطيور مفعمةٌ بالرعب
تنفض أجنحتها بفجيعة حادة وتصوت بغرابة لا تهدأ.
وهنا الجنوب يزحفُ مأخوذاً بجليد الشمال
والمشرق يحتدّ لذكرى الغروب
والروابي
والشعاب
وحندس الأودية المهدّبة
والقمم المتلاحقة أبداً
والأفق الطحلبيّ
وعواء الريح،، وصراخ الأمكنة وبكاء العتبات والبيوت القديمة المهجورة
وجذوة نارٍ تحارب كي تقف في وجه السكون الأسود الخارق ومذياع يغني باسترخاء وخدر لذيذ
ويدّ تصرّ أصابعها بتجربة ممزقةٍ مفضوحة
ووجهٍ ينكر الأشياء التي تستسلم له وتنكره الأشياء التي يستسلم لها
ونظراتُ التوقِ للانطلاق
وفكرة لا تصلح للسكنى
وحزنٌ بريء النية
وأمنية لم تعش إلا هاربة منذ السرمد
وقلب يخرج من نبضاته
ويدخل في أوهامه
وبقايا حكمة، وأنا.