يتردد كثيرا في الأوساط التشكيلية ندرة وجود الناقد المتخصص أو مؤرخ الفن المتمرس وهو رأي أعتبره صحيح إلى حد ما ولكن صحته نسبية.
نعم هناك قلة من المتخصصين، والعذر هو في عدم وجود منافذ لتعليم النقد الفني أو التأريخ الفني محليا، سوى في حدود ضيقة لمستها شخصيا أثناء دراسة الماجستير في تخصص الرسم والتصوير التشكيلي، الذي أحلته كبحث إلى دراسة تاريخية نقدية للتصوير التشكيلي السعودي المعاصر باستخدام كل ما توفر لدي من أدوات الدراسة النقدية أو من خلال ما اكتسبته من أساليب بحثية. ولاستكمال هذا التخصص في مرحلة الدكتوراه اضطررت لتحويل دراستي إلى جامعة الملك سعود في كلية السياحة والآثار لدراسة الفنون القديمة والتخصص في تأريخ الفن ولأكون باحثة في مجال تأريخ الفن والنقد الفني كمنفذ وحيد لدراسة هذا التخصص محليا حسب علمي. ولكن العديد من الدارسين أو الدارسات أو الممارسين والممارسات الذين لم يستطيعوا التخصص في النقد الفني بالوصول إلى المنافذ التعليمية المكافئة في العالم الغربي، هؤلاء استخدموا الأدوات البحثية التي بواسطتها وأيضا بالاستعانة بالقراءات والمتابعات والممارسة المستمرة في المجال، تمكنوا من القراءة النقدية للعمل الفني أو المشهد التشكيلي، وهذا كله سبب كاف للتخصص في النقد الفني دون أن يحمل الكاتب (شهادة الدكتوراه) في المجال المحدد.
والغريب في الأمر تقبلنا من ناحية أخرى لوجود لقب الفنان أكثر من تقبلنا لوجود لقب الناقد مع أن الحال في الكتابة النقدية مشابه لما هو عليه في الممارسة التشكيلية، فنسبة من الفنانين والفنانات لم يتحصلوا على دراسة منهجية أو شهادة متخصصة في مجال فني تطبيقي بل عدد منهم لا يفقهون المصطلحات الفنية ومعانيها ومع ذلك فهم ممارسون للعمل الفني ويطلق عليهم فنانون أو فنانات مع أن البعض منهم أثبت إبداعه التشكيلي المبني على موهبة صقلتها الممارسة المستمرة والاطلاع في هذا المجال والاحتكاك، بشكل مماثل تماما للكتاب الذين يمتلكون الموهبة وصقلتهم الممارسة والاطلاع. فلماذا وبكل بساطة نستطيع إطلاق مسمى فنان أو فنانة على كل مشارك في أي معرض بغض النظر عن خلفيته التعليمية؟ بينما نتردد في إطلاق لقب الناقد على من يمارس الكتابة النقدية لمدة 10 أو 20 أو 30 سنة أو لباحث أمضى سنوات عدة لبحث نقدي تم تحكيمه من قبل متخصصين أكاديميين؟ ولماذا يملك الفنان حق الحكم على الناقد بينما لا يملك الناقد حق الحكم على الفنان؟ والمفترض هو العكس تماما!.
وإجمالا أعتقد أن نسبة ليست بقليلة من الممارسين للعمل الفني لا يحبذون سماع النقد الهادف الذي يتناول إيجابيات وسلبيات العمل الفني لا شخص مُنتجه، ويفضلون في المقابل سماع الإيجابيات فقط مؤطرة بالثناء الذي لا يحتمله العمل الفني، مما يعيق النمو الطبيعي لتطور التجربة الفردية وبالتأكيد الحراك التشكيلي ككل، ولا أقول لهم إلا كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رَحِمَ اللهُ إمرِئٍ أهدَى إليَّ عيوبِي).
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7816» ثم أرسلها إلى الكود 82244