تعيش وسط أسرة بسيطة مكونة منها وزوجها وعدد كبير من الأبناء حيث تؤمن كما يؤمن غيرها بأن كل مولود يأتي يكون رزقه معه لذلك تكونت لدى أم فهد أسرة كبيرة كونها كانت تضع كل عام مولوداً ومن حسن حظها أن معظم المواليد من الصبيان حيث لم ترزق سوى ثلاث بنات والأبناء الصبيان كانوا سبعة لم يكن الزوج في ذلك الوقت يعمل بالحكومة بل كان مزارعاً مع أشقائه، وكان الدخل بالكاد يغطي مصاريف الإخوة الثلاثة وأسرهم وما يفيض يكون بسيطاً قد تحتاجه تلك الأفواه الجائعة في أية وقت.
سعت تلك الزوجة الوفية التي يندر وجود مثلها لتساعد زوجها من خلال حرفة شعبية بسيطة تزيد دخل الأسرة ولكونها كانت ماهرة وكما تقول عنها السيدات ونفسها حلو فقد بدأت ممارسة حرفة عمل (القرصان) وهي أكلة شعبية معروفة في منطقة نجد حيث كان أهالي الحي والأحياء المجاورة لها في مدينة الدلم التي لا تبعد عن العاصمة الرياض سوى قرابة المائة كيلو تقريباً يحضرون لها الطحين وهي تقوم بتحويله لقرصان من خلال مقرصة بدائية وقودها بعض السمر أو الفحم وكانت امرأة قنوعاً ترضى بالقليل مقابل ما تقوم به.
هذه القناعة والرضى أسهمت بمشيئة الله في تحسين دخل الأسرة خلال فترة بسيطة كونها كانت نشيطة وتنجز ما يطلب منها بسرعة كما أن طعم القرصان بسبب حرصها على نضجه وإضافة بعض المقادير له عند الطهي بتوازن جعله مرغوباً من الكثيرين فذاع صيتها في كافة أرجاء المدينة حتى وصل إلى العاصمة الرياض حيث أصبحت تصلها الطلبات منها ساهم ذلك الحب من الناس الذي وهبها الله إياه في توفر مبلغ ساعد الأسرة على الانتقال للرياض حيث أسهمت تلك المبادرة في زيادة باب الرزق والزبائن حيث تمكنت من جمع مبلغ كبير من حرفتها بالإضافة لمبلغ جمعه زوجها الذي عمل فراشاً في إحدى القطاعات العسكرية حيث تمكنت وزوجها من شراء قطعة أرض وعقدت العزم بعد التوكل على الله على أن تستمر في كفاحها فقد زادت المسؤوليات ومنها مصاريف بعض الأبناء الذين التحقوا بالمدارس.. وبعد سنوات بسيطة حقق الله حلمها ببناء منزل للأسرة حيث عاشت الأسرة حياة هانئة سعيدة مستقرة. لكن ذلك الوفاء والسهر والتعب وكفاح الليالي الطويلة كان ثمنه النكران من قبل ذلك الزوج الناكر للجميل فهو لا يختلف عن كثيرين من الرجال (الغدارين) الذين يمصون دم زوجاتهم ثم يكون رد الدين والمعروف السعي للزواج بأخرى! حاول زوجها الزواج بفتاة من أقرباء شقيقته والتي تعد في سن أبنائه استغل العلاقة والقرب من تلك الأسرة حيث لعب برأس الفتاة التي لم تكن تفقه شيئاً في أمور الحياة حيث جعل لها الشمس في يد والقمر في الأخرى، وأخذ يعدها بتحقيق كافة أحلامها واستغل انغماسها في حب الغناء والطرب فأصبح يشتري لها الشرائط الغنائية لكافة الفنانين والفنانات وخصوصاً الفنانة ذائعة الصيت سميرة توفيق التي كانت تلك الفتاة مولعة بها لدرجة كبيرة.
تسرب الخبر لأبناء تلك الزوجة الوفية المغلوبة على أمرها حيث أقسموا بالله إن تزوجها والدهم أن يختطفوها ويلوثوا سمعتها، الزوجة المغلوبة على أمرها كانت صابرة محتسبة وشعرت بالندم وكانت تردد (هذا طبخك يالرفلى وكليه)، والمثل العربي الذي يقول: (أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني)..!
بكت بحرقة تدمي القلب فكل من شاهدها بكى معها لم يكن بكاؤها حباً فيه لكن لأنها لا تريد تشتيت أسرتها كما أنها تبكي لذلك النكران والجحود حيث حولته من إنسان معدم لا يملك سوى قوت يومه وأولاده إلى شخص امتلك بيتاً من عرقها وكدها وسهرها وتعبها كما أصبح يلعب بالمال على حساب صحتها، حيث وصل بها الحال إلى أنها أصبحت تعاني من آلام مستمرة بالرأس من شدة التعب والعمل في تلك الحرفة وكانت كما تقول هذه مكافأتي الشابة التي كان ينوي ذلك الجاحد الزواج بها، استمعت للنصح من ابن عمها الذي كان يسكن معهم ببيت الأسرة حيث أكد لها بأن زواجها من ذلك المسن الذي يكبرها بأكثر من 30 عاماً سوف يحطم حياتها ولن تشعر بمعنى الزواج الحقيقي إلا بالزواج من شاب في نفس عمرها أو في سن مقاربة لسنها لحد ما اقتنعت بكلام ابن عمها محمد الذي كان إنساناً عاقلاً وفاهماً وكانت تتوقع أنه نصحها بعدم الزواج من ذلك المسن لكي يكون لها بينما هو يفعل ذلك من باب الغيرة عليها ولم يكن يدور في باله أو يفكر باستغلال ذلك للاقتران بها كونه يرفض الزواج من الأقارب.
تلك المرأة المغلوبة على أمرها سلمت أمرها لمن لا يخيب من رجاه ومن اتجه إليه بالدعاء فقد أكرمها الله واستجاب لدعائها حيث فشل ذلك الزوج ليعود لها الصفاء وراحة البال والشعور بالأمان مع أفراد أسرتها حيث ظلت صامدة وصابرة شامخة كشموخ النخلة المثمرة التي تعطي وتجود بأجود أنواع التمور، حيث تفرغت لتزويج كافة أبنائها. حيث أصبحت قصتها وكفاحها مثالاً مشرفاً للمرأة السعودية التي تضحي رغم أن زوجها ليس كفءاً لهذه التضحية لكن الفطرة والحب الذي غرسه الله في قلوب الأمهات لفلذات أكبادهن والوفاء للزوج الذي تربين عليه يجعلها وفية حتى مع من لا يستحق وفاءها فالوفاء شعار كل أمهات المسلمين وبالأخص أمهات الأمس وما تبقى من جيلهن.