حينما تدلف إلى المكتبة، وتتجه إلى ركن الكتب العربية، تجدها ذات مسارات عدة، وأرفف مرتبة بشكل موضوعي، فهناك كتب الأدب وبجوارها كتب اللغة، وثمة مسار آخر للعلوم الاجتماعية، ويليه السياسية، وهناك مسار مخصص للكتب الدينية، وليس بعيداً، ترى رفوفاً أخرى، تساوي مجموع كل الرفوف السابقة، أو تزيد، معنونة ب(التطوير الذاتي والنجاح السريع)، تزخر بمئات الكتب التي تحمل دعايات وعنواين من مثل (تعلم الاستثمار في خمس دقائق)، و(الحمية السريعة) وآخر (كيف تسيطر على الآخرين)، وما إليها من كتب، مغرية جداً بعناوينها البراقة، واستفهاماتها الجذابة، التي تدعو كل مارٍ أن يقف أمام هذه الرفوف، فهو حتماً واجد ضالته، وجميع الحلول لاشك متوافرة هناك، إذ لا تعجز هذه الكتب - وغالبها مترجم - عن إيجاد الحلول لكل مستحيل، وبشكل عاجل لا يحتمل أي تأخير. ومن الملاحظ أن عدداً من عاملي المكتبة قد عكفوا على هذه الرفوف يزودونها بالكتب ويعيدون ترتيبها وملأها ويتنمقون في طريقة عرض عناوينها. وكأنما شغل ا لمكتبة الشاغل يتمركز في هذا الركن!
جرَّ ذلك إلى أن نسأل فتحي الحازمي وهو أحد العاملين بمكتبة جرير عن هذه الكتب ومدى انتشارها وإقبال الناس عليها، فأكد للجزيرة أن هذه الكتب هي الأولى في المبيعات، ويقبل عليها الجميع شباناً وشيباً، رجالاً ونساءً، فتكاد تنفد في وقت قصير إذا قورنت بغيرها من الكتب، وأشار إلى أنه لا يرى في ذلك باساً، وعدَّها ظاهرة صحية إذ إن الجميع يطمحون إلى تطوير ذواتهم، ومعالجة مشاكلهم بهذه الطرق الميسرة، حيث لا تتطلب وقتاً أطول من قراءة الكتاب ولا مالاً سوى ثمنه، وغالبها لا يمكن أن يكون سعره عائقاً مهما ارتفع أمام فائدتها المرجوة.
وعند سؤاله عن تجربته الشخصية لهذه الكتب، أكد أنها عظيمة النفع، وقد قرأ كثيراً منها، وقد لمس استفادة، وتحسناً كثيراً في شؤون حياته.
تطبيق الخطوات
وعن تجربته تحدث أحمد البريك أنه كان يعتقد بأن هذه الكتب سوف تجعل منه إنساناً آخر، مما حرّضه على اقتناء الكثير منها رغم التشابه الملحوظ في المحتوى والاختلاف في العنوان، لكنه لم يخرج إلا ببعض الأفكار الفلسفية التي زادته حيرة، أو -تخبطاً -، وعزا ذلك إلى أنه لم يدرك الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه الكتب، وأنه أراد تحقيق النتائج قبل تطبيق الخطوات، وبعد تطبيق الخطوات، أكد أن النتائج كانت مرضية، مما شجعه على الغوص في هذا المجال ومعرفة مكنوناته، وصقل ذلك التجربة العملية من خلال مدربين أكفاء ومتخصصين في هذا المجال.
وتوصل إلى أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، والاقتناع بأن هناك مشكلة لابد من حلها أو هدفا نسعى إلى تحقيقه.
وضرب مثالاً كتاب (لا تحزن) للدكتور عائض القرني، في أنه حقق مبيعات عالية وانتشاراً واسعاً لكونه تفوق في جزئيات معينة على مثيلاته من الكتب الأجنبية، وهذا يؤكد أن العربية لها فرصة للتميز خصوصاً في ترجمة كتاب (لا تحزن) بلغات أخرى..!
تباين الثقافات
أما الأستاذ: مفلح، فهو يشدد على أن هذه المؤلفات غايتها الرواج والتسويق وليس أكثر من ذلك والدليل تلك العناوين، واصفاً إياها بغير الأمينة، أو المزيفة، فكيف يمكن أن أحل أعقد المشاكل في ساعة واحدة كما هو عنوان أحد الكتب، منوها إلى أن أغلب هذه الكتب ليست عربية الأصل، وإنما هي مترجمة، فتقع مشكلة تباين الثقافات، وأنها من نتاج ثقافة تختلف بشكل كبير عن ثقافتنا، التي تتميز بالمحافظة والنهل من معين الشرع المطهر، مبدياً أسفه أن بعضها يعتمد مراجع تخالف بعض مسلماتنا الثقافية، وتستشهد بأقوال لأناس أعداء لديننا ومجتمعاتنا، معلناً خشيته من أن يتأثر بذلك القراء صغار السن، فيتحول أمثال أولئك إلى رموز تحفظ مقولاتهم وتردد.
80% على القارئ
وأضاف فهد الهاجري أن هذه المؤلفات لا تخلو من غاية تجارية، بل بعضها إنما ألف لهذا الغرض، لكن هناك نسبة جيدة منها إنما هو مخزن ثمين للتجارب الإنسانية والأفكار الإبداعية، التي وضعت على طبق من ذهب، لا يحتاج قارئها إلا إلى السعي إلى استيعابها كما ينبغي، مشدداً على أهمية فهمها بشكل جيد، ومعرفة مدى ملاءمتها لشخصية القارئ، وأن هذه الكتب لا يمكن أن تصلح من شأن أي إنسان بمجرد قراءتها، بل يلزم من ذلك تطبيقها بحذر، ودقة، وهذا يستدعي صبرا وطول بال، وإلا فلن تؤتي ثمارها، وقدّر دور القارئ وجهده في تطبيق مبادئ التطوير بنسبة تزيد على 80% والبقية ليست سوى نصيب الكتاب في نظرياته وأفكاره المجردة. وعن تجربته، تحدث بأنه استفاد كثيراً، وقد تغيرت بعض مفاهيمه ورؤيته للأشياء، بعد قراءته لهذه الكتب والانصياع لقوانينها التي وصفها بالذكية. وعن أن بعض الكتب الأجنبية قد تحمل أفكاراً غير إسلامية، أكد الهاجري أن مجمل أفكار هذه الكتب متفق عليها، ولا تحتمل أية شبهات أو محاذير، وإنما هي أشياء معروفة في جميع الثقافات لأنها تعالج طبيعة إنسانية محضة.
التغير السريع
وألمح أبوفيصل في حديثه إلى أنهذه الكتب تستهدف شريحة النساء والشباب المراهق، الذين يريدون التغير بشكل سريع، جاهلين أو متجاهلين أن التغيير أمر خطير وغير سهل، لا يمكن أن يصبح في يوم وليلة. ومهما أتت كتب تزعم ذلك فهي باطلة! وبين أن التغير السريع - إن صح وجوده - هو علامة مرضية وليست شيئاً صحياً..!
نشأة وأساليب
وسألنا الدكتور راشد العبدالكريم وهو متخصص في المناهج وطرق التدريس ومؤلف كتاب (طريق النجاح)، عن نشأة هذه الكتب والظروف التي اكتفت ظهورها، فأشار إلى أنها كانت ضرورية في زمانها، خاصة أن انتشارها تكثف بعد فترة (الركود العظيم) الذي أصاب أمريكا في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، بحيث أصيب كثير من الناس بالإحباط والتشاؤم، فأتت هذه الكتب محاولة علاج هذه الظاهرة. واستمر ذلك مع تطور الأعمال والمنافسة في سوق العمل وتعقد الحياة الاجتماعية والأسرية.
وحول نماذج من هذه الكتب، تحدث الدكتور راشد إلى أن بعضها يركز على النجاح في تحقيق الثروة، ومن أشهر الكتب وأوائلها كتاب: (think and grow rich) وترجم باسم (فكر تصبح غنيا)، وكذلك كتب، (قوة التفكير الإيجابي) وكتاب (نظام النجاح الذي لا يفشل) لكلمنت ستون، وكذلك كتاب (دع ا لقلق وابدأ الحياة)، لديل كارنيجي، ثم خرجت في السنوات الأخيرة كتب نالت شهرة واسعة مثل (العادات السبع للناس الأكثر فاعلية) لستيفن كوفي، و(مبادئ النجاح) لجاك كانفيلد، وبيّن أن هذه الكتب تعتمد على عدد من الأساليب من أهمها:
- الحفز وإثارة الدافعية من خلال قصص الناجحين.
- تزويد القارئ بمهارات النجاح، مثل تحديد الأهداف وإدارة الوقت.
- تحسس صورة الذات لدى القارئ بحيث يدرك ما لديه من قدرات ومهارات وإمكانات.
نماذج وأمثلة
لذا فالقارئ لهذه الكتب يكتشف أن ما يمر به من إحباط أو (فشل) مر به أناس كثيرون، يعدون الآن من الناجحين، وكل ما يتطلب الأمر أن نصبر مثلما صبروا، ونمارس بعض أنماط السلوك التي مارسوها لكي ننجح مثلما نجحوا.
وحول العناوين البراقة التي تتصدر هذه الكتب، ألمح الدكتور راشد إلى أنها وسيلة تسويقية، مثنياً على الكتب الأجنبية في أن عناوينها إلى حد كبير صادقة، أما الكتب العربية فكثيراً ما تكون دون ذلك، هذا إذا سلمنا من رداءة الترجمة التي تفسد كثيراً مما في الكتاب.
اهتمام وضرورة
وعد العبدالكريم هذه الكتب مفيدة وضرورية لكل شخص، فبعضها من الممكن أن يغير حياة القارئ، ومن الجدير بالقول إن عدداً من قراء هذه الكتب ومؤلفيها مروا بمرحلة سخروا منها، وكان هذا حال واحد من أشهر مؤلفي هذا المجال.!
خير من الروايات الغثة
وأكد أن إقبال الناس على هذه الكتب مما يحمد، وهو ظاهرة صحية، إذ إن الرغبة في التطوير شيء إيجابي، وتتبع الشباب لها خير من قراءة الروايات الغثة التي هي الأخرى تسجل مبيعات عالية.
ومن الملاحظات التي شدد عليها الدكتور راشد أن مبدأ الصبر وأن العمل هو الذي يحقق النجاح وليس قراءة كتاب، والكتب الأجنبية تذكر ذلك نصاً، واستشهد بعبارة جميلة وردت في أحد الكتب: (كلما أجهدت نفسك كانت الحياة سهلة عليك، أو كما يقال في العسكرية: كلما زاد العرق وقت السلم قل الدم وقت الحرب). وتحدث عن أن بعض الكتب التي تعتمد التحفيز؛ تؤثر في القارئ وقناعاته دون أن يشعر، ولا يستلزم أن يطبق ما ورد في الكتاب بشكل حرفي!
معالجة الأفكار
وبشأن أن أفكار هذه الكتب معروفة ومجربة في حياة الناس، أشار إلى أن الكتب جمعتها وقامت بتوضيحها وعرضها على شكل خطوات أو برامج، وضعتها في إطار تحفيزي، وهذا شيء كلف، واستعان بقاعدة من أحد الكتب: (سارع إلى ما تخشاه) ويقول الجنرال جورج باتون (إن الخوف وقتل أكثر مما يقتل الموت)، وهذه قاعدة من قواعد تطوير الذات، وأهل نجد يقولون في هذا المعنى: (رمح تطعن به ولا رمح توعد به) وكذلك المصريون: (وقوع البلا ولا انتظاره)، ومثل هذه موجودة في ثقافتنا لكنها لم تدون في كتب تصطبغ بالشكل التحفيزي المشجع.
البرمجة اللغوية
وحول الاكتفاء بكتاب واحد أو قراءة كل ما يستجد، رأى العبدالكريم أن الكتب لا يمكن أن يحاط بها، وأنه لا يكفي كتاب واحد، بل لا بد من قراءة كتب عدة، لأن كلا منها ربما يشتمل على شيء لم يرد في سابقه. والأفضل أن تقرأ كلما أحس الإنسان بهبوط في دافعيته أو إذا واجهته مشكلة من المشكلات العامة. ويجب أن نفرق بين الكتب التحفيزية وتطوير الذات، وبين البرامج التي تبالغ في الاعتماد على اللاشعور أو القدرات الخفية، أو غير الاعتيادية للفرد مثل (البرمجة العصبية ا للغوية والتنويم المغناطيسي) إذ تحتمل كثيراً من المبالغات والتجاوزات.
تفتقر إلى التحفيز
والكتب الأجنبية أفضل من العربية، لأن غالب ما كتب بالعربية إما منقول عن كتب أجنبية، أو كتبه هواة ومستجدون في هذا المجال، خاصة أن الأجنبية لها نصيب من العمق والخبرة الطويلة.
إلا أن للعربية ميزة وهي أنها تستشهد بأحداث وقصص من مجتمعنا وتاريخنا، وهذا مهم، لكنها لا تضعها في سياق تحفيزي سهل، فمثلاً كتاب (صفحات من صبر العلماء) مجلد في 400 صفحة، مليء بالقصص الممتعة عن صبر العلماء ومثابرتهم حتى نالوا النجاح، لكنه يحتاج إلى صبر في قراءته، فهو عرض بأسلوب تقليدي، غير تحفيزي!
أكثر الكتب مبيعا
وعن المربع الصغير الذي يوضع على أغلفة هذه الكتب (أكثر الكتب مبيعا)، تحدث الدكتور راشد أن هذه العبارة صحيحة في المجتمعات الغربية، ولها ثقلها لأنها تعتمد على قياسات دقيقة ومتابعة من شركات الإعلان والتسويق، لكن كون الكتاب حقق مبيعات كبيرة لا يعني مناسبته لكل شرائح القراء، والدكتور راشد العبدالكريم من متابعاته الشخصية يرى أن غالب هذه الكتب يستحق القراءة!