حينما يكون المعلم شاعراً يمكن له أن يتخيل الطابور سطور كتاب أو قصيدة، والتلاميذ كلمات غضة تتراص لتنشد أغنية الصباح أغنية جديدة كل يوم. يمكنه أن يحلم بأنه يدفع عن طابوره الفتي عنف التهديد والتقريع. الشاعر عبد الله السفر يحتفي بالطفولة والشعر معاً في ديوانه (يفتح النافذة ويرحل)، وخاصة في مجموعة نصوص تندرج تحت عنوان رئيس هو (المعلم) يكتب فيها مشاهد مؤثرة شعرياً وإنسانياً تصور علاقة المعلم بتلاميذه الصغار. ويمكن أن نستمع لعبد الله السفر في نص (مديح ) حيث راح يسري عن التلميذ المخاوف من أن يخطئ، يقول:
أمس...
ازدحمت قراءته بالأخطاء، أخرجته إلى
اللوح، مسست كفه الصغيره: تذكرة.
اليوم... تدفق دون أخطاء، لكن صوته - أحسه
مشبعاً بالخشية.
سررت منه، أخرجته إلى اللوح،
أوقفته إلى جواري
كانت يدي على كتفه، عفواً زلت إلى
صدره، أي عصفور يتعرق في كفي ويتقبض
تلعثمت في مديحي
اشتعلت أكف الصغار لكن عصفوره لم يهدأ.(1)
هكذا يسرد عبد الله السفر الشاعر (المعلم قصة تلعثم تلميذه الصغير، الذي تعلم ولم يعد يخطئ ومع ذلك ظل قلبه الصغير يختنق ويرتجف كعصفور لا يهدأ، قلب العصفور) الطفل (النص) الذي لا يهدأ على الرغم من تشجيع الجمهور/ الطلاب هو ما يجعل المعلم هو نفسه يتلعثم في مديحه!! مع هذه المفارقة الجميلة التي يدسها عبدالله السفر ناعمة متوارية في نهاية نص مديح وهو يتلعثم في مديحه كأنما يريد أن ينبه القارئ إلى أن ما يربك الكائن فيجعله يتلعثم، صغيراً كان أم كبيراً معلماً بقلب شاعر أو شاعراً بقلب معلم، يكمن هناك في خريطة النبض وخريطة الخيال الذي يمثل هنا بلوح للطلاب يخطون عليه محاولاتهم وتلعثماتهم. لكن ما لا يظهر وما لا يخط وما يجب على الشاعر والفنان إخراجه في مكان آخر علينا أن نضع أيدينا عليه برفق لنسمع خفقه: نبض الكون ونبض الكائنات. علينا فقط أن نُعلم ونتعلم ونتعاطف ونحب لنسمع جيداً. وضمن هذه المجموعة تحت عنوان (المعلم 1) و(المعلم 2) يسرد السفر مشاهد ولوحات شعرية من حياة المعلم والتلاميذ: طابور الصباح وتقريع الأستاذ الذي يفتش على أظافر الطلاب وتهديده باقتلاعها، ويوم استلام الشهادة ومخاوف الأطفال وارتباكهم، وتقمصه لتصرفاتهم ومشاعرهم. وهو ما يجعل القارئ حينما ينتقل للقصيدة التالية المعنونة (رمانة ليل) التي تصور أيضاً صبياً يقبع في الظلام - ينتبه إلى احتمال - وهو احتمال شعري بالضرورة - أن السفر إنما يقص الطفل القابع فيه ويسترجع مشاهد طفولته في المدرسة وارتباكاته ودهشاته.
قصيدة (رمانة ليل) تبدأ بمشهد يصف صبياً يقبع في الظلمة والراوي/ الشاعر يمر يجتازه بعربته ويرفع يده للسلام عليه.
وفي المشهد الثاني تتداخل صورة الصبي بالشاعر صوت الشاعر وهو يصف وصوت الصبي وهو يحاور يقول:
وحيداً تجففني الظلمة
يالله كم هو موله هذا الصبي
حدثته عن رمانة ناضجة تلمسها
فتتحد في أصابعك الشعل
ماصدقني
قطفت له واحدة.
قلت: المسها
تشققت في يده، وانبثق دمها على ثوبه.
تتابعت ضحكاته، غرس ثنيتيه
تفل وهو يلعن
أخذتها، رفعتها جانباً: سوف تضيء
قصصت تاجها قلت: أخبئه لوقت ما
قال: ماذا تنتظر؟(2)
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244
1- عبدالله السفر،، نتج لنافذة ويرحل (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط. الأولى 1995) ص 74-75 )
2- المصدر السابق، ص 87 -88.
- الرياض
rafef_fa@maktoob.com