جبروت المصادفة يقهر جيشاً عرمرما من المواعيد المبيتة، ناهز ألفا منها. ذلكم ما تقرره ثقافة المفاجأة، إذ تقفز الديباجة الأكثر شهرة (رب صدفة خير من ألف ميعاد)، في مثل تلكم المواطن. وفي حقيقة الأمر، فإن الميعاد المدحور في سياق المقارنة تلك، إبان سكرة الفرح الذي تؤججه المصادفة اللذيذة وغير المدرجة في جدول التوقعات، ليس هو المراد بذلك. بيد أن مكرا لغويا، وذهنيا، يتم اقترافه هاهنا، دون الالتفات إلى ذلك. ويتراءى لي أن الذي يدور في الخلد أثناءها، ويحمل على ترداد تلك المقولة بلا تمحيص، أن هامش الخطأ الرياضي الذي كان من شأنه أن يطرأ، وفقا لمبادئ علم الاحتمال، فيما لو تم التفاهم مسبقا على الحدث، أفضى إلى أن ما وقع الآن بمحض الصدفة كان أكثر ثبوتا وراهنية. حسبه أنه وقع.
في حمأة السائد، والتفكير النمطي المحاكي، تبجل أفكارنا المقلدة شتى مناحي الجمال الحياتية التي يسوقها لنا محض الصدفة، ومن ضمنها الفرح. ونمنح تلك المناحي ودنا، وتوقنا بكل سخاء. وبالنسبة لي، فقد تبدى أن الفرح، واللقاء السعيد، وسائر الأنشطة المحببة، حينما تكون عابرة، ومباغتة، قد تغدو لذيذة، بيد أنها، لا مراء، غير مثمرة بتاتا على صعيد الذات؛ إذ إن لذتها تكمن في البواكير فحسب، وجراء الدهشة التي توقعها المباغتة فقط. إلا أنها تحرض كوامن الكآبة كي تكتسحنا، بعد الانعتاق من تلكم الدهشات الوامضة. والذريعة في كل ذلك، أن هدايا المصادفة تفد إلينا دون مشيئة منا، ولا إدارة مسبقة للحدث. الأمر الذي من شأنه أن يمحق الأمل فيما ننطوي عليه من دهاء وتمكن. إن المصادفة الجميلة حالما تقع، فما هي سوى البيان رقم واحد لكثافة الإخفاق الذي يعتورنا على صعيد المبادرات غير سريعة الذوبان، والقصور الذي يطال أذرعتنا المبتكرة.
وبطبيعة الحال، فإن الصدف التي أعني، ليست على الإطلاق تلك اليوميات التلقائية الساذجة، وإنما أتحدث عن المفاصل.
يخطر لي أنه ليس ثمة أمر أمضى، ولا أبهج، من الفرح المبيّت، والنجاح الوافد إلينا على مطية التخطيط، والإرادة، والتصنيع. حسبه أنه يهبنا أعطيتين هما ذروة في الروعة والأمل: حلاوة نكهة الظفر بالمراد، وتعملق الثقة في ذواتنا وإمكاناتنا على نحو غير مسبوق.