ربما:
النضج يعني: أن نكون على الفطرة، أن لا تستُرنا أدوات التعلم وشبه المعرفة، وأن لا نعتقد أن (المزيد) هدفه الحقيقي (الاكتفاء).
(1)
كنت صغيراًً وليناً عندما كنت أراقب أناملك وهي تتحرك في الهواء تتحدث نيابة عن لغة فمك، وقتها كنت لا أعي جيداً ما تقول، لكنني كنت على إيمان أن هذه الأنامل التي تشاكس الهواء لابد أنها تقول شيئاً على حق أو على حكمة، ليلتها كنت قد شاهدت عدداً قليلاً من النمل يتناوب بين التعب والراحة على حمل قطعة من الخُبز إلى (جُحره)، وأخذت أتأمل عن قرب: النمل، الجُحر،المسافة، وأستشعر ثقل كسرة الخبز على أجسادهن الصغيرة، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أضع أصبعي الصغير وراء تلك (النملات) وأسحبهن بقوة إلى الجُحر حتى أصبحن على مقربة منه، شعرت لحظتها بفرح الخير، لكن على الجهة أخرى كانت أناملك قد توقفت عن الحركة وسكن الهواء واختفى رنين اللغة..!!!
سألتني بقسوة: لم فعلت هذا؟
لم أجب، ولم أفهم، ولم نقل شيئاً يفسر فعلتي أو يجيب على سؤالك..!!! لكن وجهك أخذ يهدأ.. قلت لي وقتها بهدوء العارف: هل يسجد النمل على جبينه عندما يصل قبل أوانه؟
لم أجب، ولم أفهم، ولم نُزد شيئاً على سؤالك وتعجبي...!!!
أخذت أفكر في سؤالك الغريب: هل يسجد النمل على جبينه عندما يصل قبل أوانه؟ لكنني أدركت أن سؤالك لم يكن هدفه الإجابة أبداً، وأن درساً ما أحببت أن تهيئ رأسي له قبل أن ينطق به فمك، أقصد أناملك..!! فأنا لا أعرفك جيداً‘ لكنني أحفظك، أحفظ شكل (التأني) في وجهك، أحفظ شكل الصبر في قامة أناملك عندما تأتيها المفردة، وتمنعها الريح من أن تُكتب على صدر هواء..!!!
ربما كنت تريد أن تقول لي: لا وصول في الركض، لا فوز في العجلة، وأن غيمة اللون في جبين (المُصلي) تأتي من صبر (المفاصل) على جمال التفاصيل.
(2)
اشتد عود..
صار القلب أخضراً، وتمره الزهور التي يُكتب لها أن تكون تاريخاً من ثمر..
الثمر: يستوي، والاستواء كما يعلم قلبك الذي أثمر كثيراً، الاستواء له أن يكون: احتفال وداع..!!
لقد قرأت هذا على صفحة الهواء، عندما كتبت أناملك ذات شجن: سلة الوداع ممتلئة، والحكمة هي ما نخرج به من إستواءات القلب..!!
أشتد عود..!!
تعلم القلب ألا يركض..!!
تعلم أن لا فوز في العجلة..!!!
لمس غيمة اللون في جبينه..!!!
لكنه تعلم أن ينتظر، أن يقف كثيراً يرقب كيف يُحتفى بالاستواء، ويرقب في ذات الوقت كيف تأخذ الشمس نورها من جسد الثمر وتتركه في ظلمة جفاف!!!
أشتد عود..
وأشتد قلب..
واشتدت ذاكرة..
وأشتد وجع..
قلت لك حينها متعجباً: قلبي أخضر.. ولكن ما للثمر يزهد بالشجر؟ ويخون الماء والضوء والتربة؟
عندها: رسمت خطاً مستقيماً في الهواء كتبت عليه: لا تشبع رغبة عابرة، لا تكن جسر عبور، أعتبر ممن يخونون ذواتهم، واحذر أن تكون عبرة.
يشتد القلب على المعان التي تلوح بها أناملك..
من يقرأ مثلك كف المعنى؟ ويقول ما نكبر معه ويكبر فينا..!!
(3)
الحقيقة: نحن نكبر ..
الحق: كلما كبرنا عدنا صغارا..
ولنتحقق: من أن الحكمة تأتي عندما يكبر فينا (الخلاص) من المقاومة لدواخلنا، (الخلاص) من محاولة تجاوز الصوت الذي يكبر ونقاومه بالتجاهل، (التخلص) من مغالبة التفاصيل الصغيرة التي كنا نرتكبها على جهل، ونحاول الآن إعلاء نواتجها بالمسامحة الذاتية..!!!
لقد تعلمت أن الركض: هو وصول الأشياء إليك.
لقد أدركت أن الذكاء: هو معرفة أوان القطاف.
لكن لا تنس: أن الحكمة تأتي من المغفرة العظيمة التي نمنحها لأنفسنا ذات خلاص.
هذا ما قالته أنامله قبل أن ينام عن الهواء طويلاً..!!
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة «5112» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
ghadakhodair@hotmail.com