عندما بلغ (باولو كويليو) سن الخامسة عشرة من عمره قال لأمه: (لقد اكتشفت هوايتي، أريد أن أصبح كاتباً).
فأجابته بحزن: يا بني، أبوك مهندس، وهو رجل منطقي، وعاقل ولدية رؤية دقيقة للعالم، فهل تعرف ما معنى كاتب؟
- هو شخص يكتب كتباً.
ودار حوار طويل بين الروائي البرازيلي الشهير وبين والدته حول وظيفة الكاتب ودوره وحتى شكله، في النهاية بحث (كويليو) عن ماهية الكاتب في بداية الستينيات، ولخصها في الشكل الآتي:
الكاتب يضع نظارة باستمرار، وشعره غير مصفف. يمضي نصف وقته غاضباً من كل شيء، والنصف الآخر محبطاً. يعيش مع مثقفين آخرين يتكلمون عن أشياء صعبة.
من واجب الكاتب ألا يكون مفهوماً من جيله، وإلا فإنه لا يعد عبقرياً أبداً، لأنه مقتنع بأنه ولد في عصر يسوده الانحطاط. والكاتب يجري دائماً عدة تصحيحات وتغييرات على كل جملة يكتبها.
وحدهم الكتاب الآخرون يفهمون ما يعنينه الكاتب. ومع ذلك فهو يكره الكتاب الآخرين سراً، لأنهم يسعون إلى الأمكنة نفسها التي يحفظها تاريخ الأدب عبر العصور. والكتاب الذي ينجح في أن يكون الأصعب يعد الأفضل.
والكاتب يبرع في استخدام موضوعات ذات أسماء مخيفة: سيموطيقيا، ابيستيمولوجيا، والحساسية الجديدة. وعندما يرغب في أن يصدم يعمد إلى استخدام جمل مثل (اينشتاين غبي) أو (توليستوي مهرج البرجوازية).
يقول الكاتب لكي يغرى امرأة: (أنا كاتب)، ويكتب قصيدة على الحقيبة، والأمور تمشي.
ونظراً لثقافته الواسعة، فإنه يجد دائماً عملاً كناقد أدبي. وفي هذه اللحظة يبين كرمه وهو يكتب عن كتب أصدقائه. نصف النقد مكون من شواهد كتاب أجانب، والنصف الآخر عبارة عن تحليل للجمل مستخدماً عبارات من أمثال: (القطع المعرفي) أو (الرؤية المندمجة مع المحور الموافق). ومن يقرأ هذا النقد يعلق قائلاً: (هذا الشخص مثقف حقاً). ولا يشترى الكتاب لأنه لن يعرف كيف سيواصل قراءته عندما يبتدئ القطع المعرفي.
* عندما يدعي إلى الحديث عما يقرأه حالياً، يذكر دائماً كتاباً لم يسمع به أحد.
ثمة كتاب وحيد يثير إعجاب الكاتب وزملائه الكتاب هو رواية (أوليس) لجميس جويس. والكاتب لا يذكر هذه الرواية بسوء أبداً، ولكن عندما يسأل أحدهم عما تقوله الرواية فإنه لا يتمكن من الإجابة، الأمر الذي يدعو إلى الشك في أنه قرأها بالفعل.
هذا كان خلاصة ما يراه (كويليو) عن الكاتب في الستينيات الميلادية، لكن هل تغير الكاتب حقاً في الألفية الجديدة.
هناك شك كثيراً في ذلك، فصورة الكاتب أو المثقف عموماً عنده نفسه ولدى الآخرين أي الجمهور تظل دائماً مسكونة بهاجس أنه يعرف كل شيء وأنه يستعمل مصطلحات وكلمات لا يعرفها أحد فقط ليثبت أنه كاتب.
الكاتب لم يتغير إلا في بعض الشكليات أو بعض الصور هنا وهناك، ويبقي توصيف (كويليو) هو الأجمل حقاً.