لم تعد المدن وصية على أهلها،
خرجت من وكر أرومتها، لتفرقنا
في المنافي، فنتوه إزاء فعل كهذا
بين ليل لا يأوي المتعبين،
ونهار لا يأخذ بأيدي الغرباء..
نجأر بالشكوى ونلحف بالرجاء
أن تبادلنا الدور..
ونمنحها بحسن ظن نهارنا.
***
المدينة لم تعد هي الملاذ،
بل لم تعد هي المواظبة على وعدها
أن تمنحنا الأمان.
الرزق يضيق بها، والمفازة المترامية
لم تعد تعرف أحوالنا..
***
لم يعد بإمكاننا في المدن
أن نعبر من زمن إلى آخر..
أضحت خطانا في الطرقات
مقيدة ومحددة الاتجاه.
لم نعد قادرين على مبارحة أحزاننا،
أو السير قدر أنملة صوب أي حلم يُقِيلُ عثارنا.
باتت المدن الجديدة..
تضيق الخناق على من حولها،
بل تقلب مفهوم الزمن رأساً على عقب.
لا تراعي جوهر الأشياء، ولا ينفع في جدلنا معها
أي حكمة أو حزم..
هي لا تدر لبن الفأل رغم
أنها تشير دائماً إلى أنها أمنا..
***
تجفل المدن من هدير الأحداث،
وتؤخذ دائماً برغبة التبرم
والسخط من أهلها الجدد!
حتى وإن تاه البعض هياماً
بها.. لن تجدي المحاولة.
المدينة الطاردة تسلمه إلى
مدينة أخرى، فلا تلبث إلا
وتلقي به إلى أخرى.
المدن أضحت الآن منا في..
فلم تعد هي ذلك البرزخ الغريب،
إنما باتت على هيئة أقبية
تعمرها الوجوه، وتؤججها
الأنفاس اللاهثة لفرط ألمها.