هل صحيح أن الإعلام الرسمي (الحكومي) لم يقدم (مذيعا مثقفا، استطاع نقل الحركة الثقافية إلى ما وراء الحدود!! الجواب: لا، والشواهد تتمثل في: الدكتور عبدالرحمن الشبيلي (أول إعلامي سعودي حصل على درجة الدكتوراه في الإعلام من أمريكا) ومحمد بن عبدالرحمن الشعلان (رحمه الله) وماجد الشبل (شافاه الله وعافاه) وزهير الأيوبي، وكلهم مذيعون مثقفون استطاعوا نقل ثقافة مجتمعهم إلى خارجه، مما يجعلني أستبعد الاتهام الذي وجهه - في هذا الصدد - الإعلامي عبدالله ناصر العتيبي (صحيفة الحياة، 25-6-1429هـ، ص 14)، ولكني - في المقابل - أتفق مع الدكتور عبدالله الجاسر (وكيل وزارة الثقافة والإعلام) الذي رأى في حوار صحفي أجرته معه في وقت سابق صحيفة الحياة (أن المثقف السعودي يعاني من ضعف في إدارة البرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية) بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: (إن المثقف السعودي يتحدث أكثر من الضيف، ويسأل أسئلة يطرح إجاباتها من حيث لا يدري) وهذا هو الواقع، فمن يسمع ويشاهد بعض المثقفين وهم يحاورون، بل وحتى بعض المذيعين والمذيعات المحاورين والمحاورات، الأحياء منهم طبعا وليس الأموات، يجد أنهم يفتقدون أبسط مهارات الحوار، مما يعد اعتداء صارخا على آدابه، وخروجا عن قواعده، يواجهان بسخرية من المتلقين، الذين يتطلعون إلى حوار يضيف إلى معلوماتهم معلومات جديدة، ويثري وجدانهم الفكري، والأدبي والفني.
هناك فرق بين: المذيع المثقف، والمحاور المثقف. فالأول يقف أمام لاقط الصوت (المايكرفون) ويطل من خلال الشاشة، ويفترض أن يكون مزوداً بالثقافة بمعناها الشامل، وبمهارات حوار ثقافي، أما الآخر: فيحتاج إلى إعداد، وتدريب، وتأهيل (لا أقصد التأهيل العلمي) حتى إذا ما أتقن المهنة والحرفة، وألم بقواعدها، وأدرك حدوده في إدارة الحوار الثقافي، دفعت به إدارة الإذاعة أو التلفاز إلى الواجهة.
يخطئ كل من يسند إلى أي مثقف تقديم برامج حوارية في الإذاعة والتلفاز، لم يؤهل لتقديمها إذ هي تحتاج إلى مذيع مثقف، مؤهل، مدرب، يعرف آداب وقواعد الحوار، وكيفية طرح الأسئلة، وما إلى ذلك من مهارات، يمكن أن تتوافر في المثقف المحاور، إذا تم تأهيله وخرج من شرنقة الاحتباس الحراري، فكيف يزج به في إدارة حوار دون أن يكون مؤهلاً له؟
ومن المسؤول عن عدم توافر مهارات الحوار فيه؟ وأين معاهد التدريب الإذاعي عنه؟ وهل أعدت إدارات الإذاعة والتلفاز خططا لتدريبه كي تضمن الحد الأكبر من بقائه على الساحة الثقافية؟
هناك بون شاسع بين: مذيع مثقف، ومحاور مثقف، والمنطق والإقناع، يتطلبان عدم وضع البرامج الحوارية الثقافية، بين أيدي من لا يجيدونها، ومما زاد الطين بلة أن بعض المثقفين المحاورين، وجدوا في الحرية المعطاة لهم من أجهزة الإذاعة والتلفاز (ما دفعهم إلى مزيد من الأخذ بمنطق الجماعة المسيطرة).
أرجو أن يتطلف - مشكورا - الأستاذ عبدالله ناصر العتيبي بتصحيح معلوماته، إذا كان يقصد المذيعين السعوديين المثقفين والمحاورين السابقين، أما الآن فمحبر هذه الكلمات يتفق معه في أنه (بنظرة صغيرة لواقع المثقفين الإعلاميين السعوديين في المحطات الحكومية الرسمية، سنلاحظ أن الغالبية الساحقة منهم تأتي الاستديو، مرتدية ثياب المثقف، الذي لا يقدر على التعامل مع موجودات الاستديو، التقنية والبشرية بعين الإعلامي) وهذا واقع حقيقي، لكنني أريد أن أستدرك فأقول: إن الموجود على الساحة الآن، من المذيعين السعوديين المحاورين المثقفين - وهم قلة - أصبح لهم تأثيرهم الواضح على خريطة البرامج الحوارية الثقافية، وما (ياسر العمرو) إلا واحد منهم، التصق بالثقافة التي ينتمي إليها، وتغذى من مواردها، وتناغم معها، والآخرون في الطريق، ملتزمون بالخطوط العريضة لثقافة بلدهم، ومجتمعهم.
نعم لمذيع مثقف يحاور ويدرك بشاعة التركيز على ما هو سيئ جدا، ولا يوجه كلاما عبثيا على من يحاوره، ويبتعد عن إحراج المحاورين، ولا لمثقف محاور يقع تحت ارتجافات اللحظة، والانكماش على نفسه، ويضعها في مآزق صعبة تنعكس سلبا على البرامج الحوارية.
-الرياض badrkerrayem@hotmail.com