سأبدأ من حيث انتهت الأستاذة سهام القحطاني في مقالها الذي نشرته المجلة الثقافيةفي العدد قبل الأخير.
لا بدّ للأستاذة سهام أن تعلم أن هناك أناساً تقدم وتعطي دون أن تنتظر شيئاً.. قلة، لكنهم موجودون، ليس بدافع سواد عيوننا؛ لأنه - كما قلت - لو كان هذا هو السبب لما قدموا أي عطاء، لكن هم قدموا بدافع انتمائهم إلى المملكة ولوطن قدسي نشعر بحنيننا الروحي والديني والتاريخي له.. لا بدّ أن نوقن أن الدنيا بخير والعالم رغم سوداويته وغاباته المسكونة بالوحوش والانتهازيين وأصحاب المصالح إلا أن الدنيا لا تزال بخير.
طرحت سؤالاً كان عنوان مقالك: (هل استفدنا من المثقف العربي الوافد؟) وأشكرك أنك قلت عنه الوافد ولم تطلقي مصطلح الأجنبي، ولا أوافقك حين قلت (العمالة الثقافية). دعينا نقدر فكر هذه الفئة ومكانتها وتلبيتها الأمر الإلهي بالإفادة من علمهم؛ لأنهم سيسألون ماذا عملوا فيه. إن هذا المثقف صاحب فكر ومكانة علمية وثقافية واجتماعية لابد أن نحترمها ونحترم المنزلة العالية التي وهبها لهم الله - عز وجل - (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
جوابي المتواضع عن سؤالك أننا نستفيد إن أردنا الفائدة ولكن إن أغلقنا النوافذ والأبواب واستوطنتنا أفكار ومعتقدات معينة فحتماً لن تتسرب أي من هذه الثقافة إلى عالمنا الذي يتشكل كيفما أردنا له وتقوقعنا فيه.
رسالة المثقف الحقيقي لا تتوقف عند حد؛ فقناعاته ثابتة ومبادئه راسخة وإيمانه الحقيقي أن تكون الثقافة مشروع حياة، ولغته هويته وهاجسه وانتماءه، والبلد الذي يضمه ويعيش على أرضه هو أم ووطن ينسيه غربته ومرارة البعد عن جذوره التي ربما تكون هنا أصولها ومنبتها.
لا يمكن أن نحكم بالمطلق على كل شيء؛ فهناك استثناءات دائماً والمجاملة النقدية يمكن أن تكون من الوافد والمواطن.. ولابد أن نسعى جميعاً لننبذ هذا النوع من المجاملات التي لا تخدم الإبداع بل تسيء إليه، وكم من مقتحم ومقتحمة للساحة الأدبية بأنفاسها المختلفة وممن لا باع لهم في الكتابة ولا سلطان على القلم ولكن شهرتهم كانت كتابة نقدية مجاملة أعلت من شأنهم ووجدنا من يصفق لهم ويساعدهم على الشهرة والوصول إلى مراتب لا يستحقونها. إن الجرم الذي ارتكبه هؤلاء كان بحق الأدب وضمائرهم التي حملوها وزرهم.
أشاطرك الرأي أن هناك الكثير من المرتزقة الذين تعج بهم ساحتنا الثقافية ونحن مشاركون في بقائهم وتطفلهم؛ لأننا تحولنا لشياطين خرس وناقمين في بواطننا دون أن نصحح أو نجهر بآرائنا وندحض أكاذيبهم ورياءهم. كما أوافقك أيضاً أن العمالة الحرفية العربية الوافدة أثرت في التاريخ الاجتماعي السعودي وأضافت إليه أكثر من (كما أطلقت) العمالة الثقافية، لكن أتعلمين لمَ؟ لأننا شعرنا بأننا بحاجة إلى عمالة حرفية تعيننا وتريحنا وتحتل أدوارنا أيضاً في الحياة اليومية، وقليل ما شعرنا بأن الثقافة ضرورة ملحة هي أيضاً رغم أنها لا تريح، ولأننا اعتبرناها من كماليات الحياة وليست من ضرورياتها.
أما عن الغربة.. فالغربة الحقيقية هي غربة الروح وليس الجسد.. الغربة نحن نصنعها لا اختلاف التضاريس؛ فالانتماء للغة ربما وليس للمكان فحسب. أقدر أدونيس كثيراً وأختلف معه أكثر، ولا يفسد هذا للود قضية، حين رفض في برنامج خليك في البيت مع زاهي وهبة وأكد رفضه بأن يقول إنه لبناني، وأصر أنه عربي.
أما عن الآخر فنحن الذين رفضناه ولم نستطع أبداً أن نعتبره نحن. نظرنا إليه أحياناً بكثير من الفوقية والدونية، وضعنا ما بيننا وبينه وما بينه وبين هذا الوطن الكثير من الفروق متجاهلين أنه يشاركنا البناء والحياة بكل قسوتها، والعادات بكل أخطائها ومحظوراتها التي قيدنا الآخر بها.
سيطرت علينا فكرة أننا مجتمع نفطي قيمته بقيمة ثرواته المادية، متناسين مكانتنا الفكرية والثقافية وقدراتنا وطاقاتنا.
نحن كمجتمع سعودي أثرنا بحق في جوانب كثيرة من حياة وفكر الوافد، يظهر هذا في طريقة عيشه ونمط كتاباته، فلم ننكر تأثرنا بهم ومنافستنا لهم والتي أكسبتنا متعة النضال والجهد والبذل.
أود أن أؤكد لك - عزيزتي - إن الثقافة السعودية ككرة الثلج تتزايد في رحلتها وهي رحبة كصدور أصحابها لا تستقصي أحداً من تكوينها ولا ترفض التأثر والتأثير.
تستوقفينني دائماً حين أتصفح هذا الملحق الرائع والمرجع لي أيضاً بما يحمل من فكر وثقافة من يكتب فيه من أبناء هذا الوطن وأولئك المشاركين فيه أيضاً... سلام لقلبك.. وروحك.
- الرياض
maysoonabubaker@yahoo.com