عندما زار أدونيسُ الراحلَ العزيز الدكتورَ عبدَ السلام العجيلي في دارته في الرقّة، تمنّيتُ أنْ أكون حاضرا، ولكنّ ظروفا حالتْ دونَ ذلك. كنتُ أودّ أن أسمع الحوار الذي جرى بينهما، وحاولتُ أنْ أتخيّل ذلك الحوار، ولكنّ الحقيقةَ لم توافقْ توقّعي البتة. ولذلك فأنا أشكر أدونيس، لأنّه روى لي شطرا مما حدثَ، وكأنّه حقّا يروي لي شخصيّا، فأنا شديد الاهتمام بما كتبه أدونيس عن هذه الزيارة.
في كتابه الأخير الذي عنوانه (ورّاق يبيع كتب النجوم) الصادر قبل أيام، يُدرج أدونيس نصّا عنوانه (قمر الرقّة ينام هذه الليلة على مخدّة الفرات)، ويجعله (تحيّة إلى عبد السلام العجيلي). وجدير بالذِكر أنّ الأرض المشتركة بين فكرَي الرَّجُلين ليست واسعة، بل هي غاية في الضيق، ولكنّ أدونيس كان رائعا في تحيّته للعجيلي.
لقد عرَفَ أدونيس كم كان العجيليّ رجل وحدة وطنية، وشخصيّة وطنيّة سوريّة من الطراز المعلّى، فكان نصّ أدونيس عنه تحفةً وشهادة للعجيليّ، وللتاريخ.
يقول أدونيس في هذا النّصّ: (كنت شخصيّا أودّ أن أرى إلى الكرديّ والسرياني والكلداني والأشوري والأزيدي... إلخ، مصغيا إليهم كيف ينطقون - كلّ بلغته، وتقاليدها. وكنت أشتهي أن أنظر إليهم كيف يعيشون معا في أخوّة كاملة، وفي مواطنية عادلة وحرّة، إلى جانب العربي، تحت سماء سورية، يتنوّعون، يتعدّدون، يتلاقون، يتآلفون، من دون أن يذوب أحدهم في الآخر- باسم اللغة، أو القوميّة، أو الدين، وتلك هي سماء سورية: تتلألأ فيها الكواكب حرّة، ومن دون تمييز). (ورّاق...، 2008، ص135)
نعَم، من المناسب في نصّ مهدى إلى العجيليّ المعروف بشدّة انتمائه وصفائه - أن يُتكلَّمَ على سورية، ووحدة شعبها، وأخوّة أبنائها، وعلى التعدّديّة، والألفة، والحفاظ على هويّة الأفراد والجماعات.
ينادي أدونيس عبد السلام العجيلي ب(قمر الرّقّة)، وهو كذلك، ويجعل معظم هذا النّصّ حديثا عن الفخامة والجمال، اللذين كان العجيليّ صنوَهما. بيْدَ أنّ أدونيس، وهو المفكّر والعارف، يسأل العجيليَّ أسئلة تصعبُ الإجابةُ عنها، حولَ الوحدةِ العربيّة، والقوميّة العربيّة، والاشتراكيّة العربيّة، وحول أحوال الثقافة والتعليم.
تكلّم أدونيس، في هذا النّصّ، على الشمال والجنوب، والتصاق الشمال بالرُّقيِّ في بلاد الله جميعها، واتّسام الجنوب بعكس ذلك. بيدَ أنّه يشير إلى أنّ سورية تشكّل استثناء، حسِبْتُه سيجعلُها مثل بريطانيا التي تقع على نقيض هذه المعادلة، ولكنّه كان أفطَنَ من ذلك، فهو يقول عن سورية: شمالها فنّ، وجنوبها فنّ. جنوبها بيت (الروح) التي هي جسد ثان، وشمالها بيت (الجسد) الذي هو روح ثانية. (ورّاق...، ص134).
تحدّث أدونيس في تحيّته للعجيليّ عن الانفتاح، والتسامح، والأصالة، والعروبة، والتاريخ. وتلك هي مفردات العجيليّ، وكلماته، وأحلامه، وآماله، وآلامه، التي نذر لها حياته، وأدبه، ونضاله السياسيّ.
شكرا أدونيس، لأنكَ أخبرتني، وتحيّة لك، ردًّا على تحيّتك للعجيلي، الذي كان يعيش سورية، ولا يعيش فيها فحسب.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244