هذا عنوان ديوان صغير للشاعر الشاب عبدالمحسن بن سليمان الحقيل، وهو أيضاً عنوان قصيدة في الديوان جعله الشاعر عنوانًا للديوان، وهي طريقة متبعة في بعض المجموعات الشعرية والقصصية، والديوان كله تعبير عن عواطف الشاعر المتأججة ولذلك طغت الجمل الإنشائية على قصائده فهي مليئة بأدوات النهي والاستفهام وأفعال الأمر، وللشاعر طريقة لطيفة في تصوير أحاسيسه وقدرة على تأكيد المعنى بما يشبه أضدادها، يقع هذا في قصائد متقابله مثل (نعم أحبك) و(لا...أحبك) ويقع في داخل القصيدة نفسها ففي قصيدة (خدوش) يفتتح بقوله (لا ترجعي) وتتابع الأبيات بعد ذلك وكلها نداء غير صريح برجاء العودة حتى يصل إلى النهاية فيصرح بها (فلترجعي).
استوقفتني (لا) في عنوان الديوان والقصيدة؛ وذلك أن من استعمال (لا) في العربية أنها تستعمل حرف نفي يدخل على الأفعال وعلى الأسماء، وهو جزء من الجملة التي تليه، ولشدة اتصاله بما بعده لا يمنع حرف الجر من المجرور كما في قول شاعرنا (ص22): (أوَ ترجعين كما رحلت بلا خدوش). وتستعمل (لا) حرف جواب؛ فيؤلف جملة منقطعة تركيبيًّا عن الجملة التي تليه، ويجب في الكتابة أن تفصل (لا) عما بعدها بفاصلة. ولذلك قد يلبس الأمر في النطق إذا جاء حرف الجواب (لا) وبعده جملة مثبتة، فقد يظن السامع أن المتكلم ينفي ولا يثبت، وقد لا يظن ذلك ولكن الكلام قد يتضمن ما ظاهره القبح، وقد روي في التراث ما يصور هذا بجلاء، جاء في (البيان والتبيين) للجاحظ: (مرّ رجلٌ بأبي بكر ومعه ثوبٌ، فقال: أتبيع الثوب؟ فقال: لا عافاك اللَّه، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: لقد عُلِّمتم لو كنتم تعلمون، قل: لا وعافاك اللَّه)، فالواو فصلت بين (لا) والفعل فلم تنفه. وجاء في ثمرات الأوراق لابن حجة الأموي: (وبعضهم يرى أن الواو تزاد بعد (لا) النافية في الجواب إذا قيل هل فعلت كذا وكذا فيقول لا وعافاك الله. قال أبو الفرج بن الجوزي: روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل: أكان كذا وكذا، فقال: لا أطال الله بقاءك، فقال الإمام عمر رضي الله عنه: قد عُلمتم فلم تتعلموا، هلا قلت: لا وعافاك الله... وقول يحيى بن أكثم للمأمون، وقد سأله عن أمر، فقال: لا وأيّد الله أمير المؤمنين. حكي أن الصاحب بن عباد حين سمع هذه الحكاية قال والله لهذه الواو هنا أحسن من واوات الأصداغ في خدود الملاح). وقد يلبس الأمر على بعض النحويين كما في استشهادهم بقول الشاعر على تكرار الحرف (لا) للتأكيد:
لا لا أبوحُ بحبِ بثنةَ إنَّها أخذتْ عليَّ مواثقًا وعهودا
وليس عندي أنه من التكرار؛ لأن (لا) الأولى حرف جواب؛ كأنه سئل: أتبوح بحب بثنة؟ فقال: لا. وأمّا الآخرة فهي (لا) النافية، وعليه يجب الفصل بينهما في الرسم بفاصلة، وفي الإنشاد بسكتة. وأما شاعرنا فأجاد بفصله بثلاث نقط في العنوان تعبر عن صمت أو كلام محذوف، وأجاد بوصله في داخل القصيدة وصولا إلى نهايتها التي جعلها فراغًا بين هلالي تحديد ليفهم تأكيد الحب لا نفيه.