ج- قابلية الطفل للتجدد والاكتشاف، وهذه ظاهرة في الإنسان بصفة عامة لدرجة أن الحاجة إلى التجدد، وهي متفاوتة في الأفراد والجماعات، تعتبر الحافز إلى كل الاكتشافات والاختراعات، وهذه القابلية في الطفل في جميع مراحل حياته، إلا أنها يمكن أن تقمع مباشرة أو بطريق غير مباشرة، وهو ما يجب تلافيه، ومن شأن الخيال العلمي أن يساهم في تنمية هذه القابلية(8).
إن البحث في وظائف أدب الخيال العلمي وقابليات تليه لدى الأطفال قاد الباحثين إلى النظر في تاريخه وتطوره عند ماري جميل فاشة وطالب عمران ومحمود الرجبي ومحمد جمال عمرو، وإلى النظر في تقويم الإنتاج العربي في هذا المجال ونقده عند الطيب أحمد الفقيه وطالب عمران وفاروق سلوم ومحمود الرجبي ومحمد جمال عمر، وقد خصص الأخيران بحثهما إلى مجلات الأطفال العربية والعناية بالخيال العلمي، وعند عماد زكي ووفاء نجيب القسوس اللذين عنيا بواقع الخيال العلمي في تلفزيون الأطفال العربي، وعند فيليب اسكاروس وفقد قصر دراسته على الفكر العلمي في القصص المتداولة لدى أطفال مصر.
ج- تأصيل أدب الخيال العلمي:
ثمة إلحاح على تأصيل أدب الخيال العلمي للطفل في غالبية البحوث، ونلمس ذلك في اتجاهات ثلاثة أولها في التراث، وثانيها في الإبداع الراهن، وثالثها في بحثه واتساع عمليات الوعي به. وقد جعل عبد البديع القمحاوي بحثه كله لأصول قصص الخيال العلمي في التراث العربي، مثل ألف ليلة وليلة وحي بن يقظان وسيرة سيف بن ذي يزن. ولا شك أنه غفل عن نماذج أخرى كثيرة في بعض الرسائل والحكايات وأدب الغرائب والعجائب (الفنطازي)، مما هو معروف في الأدب الجغرافي وعلوم الأحياء كالحيوان وسواه، ناهيك عن أدب (المنامات) و(التكاذيب) من جهة، و(البركة) عند المتصوفة وأمثالهم من جهة أخرى. ووردت إشارات لمثل هذه الأصول عند باحثين آخرين مثل ماري جميل فاشة، بينما أورد طالب عمران تعليلاً لتحول الخرافة إلى خيال علمي.
عمد بعض الباحثين إلى تأصيل أدب الخيال العلمي في الإبداع الراهن مثل فاروق سلوم الذي رأى إمكانية إنتاج أدب خيال علمي للطفل العربي بتثمير موروثنا من الخيال، على أن صفاء صنكور مضى إلى أبعد من حدود التثمير باهتدائه إلى فهم أدب الخيال العلمي للأطفال بوصفه (أسطرة) جديدة، مستوعباً بعض أشكال أدب الخيال العلمي مثل (اليوتوبيان) مما غفل عنه غالبية الباحثين الآخرين، وانتقد المحاولات العربية في كتابه أدب الخيال العلمي، ولا سيما توفيق الحكيم ويوسف عز الدين، وهما يعدان رائدي أدب الخيال العلمي في الوطن العربي.
وثمة باحثون عنوا بتأصيل أدب الخيال العلمي في بحثه واتساع عمليات الوعي به مثل طالب عمران والطيب الفقيه أحمد وفاروق سلوم وعماد زكي وفيليب اسكاروس ومحمود الرجبي وروضة فرخ الهدهد، فهم جميعاً، بدرجات متفاوتة، يمحصون واقع هذا الأدب في الثقافة العربية، ويعبرون عن تنامي الوعي به، وهذا واضح في تقصيهم لواقعه في بعض الأقطار العربية، وفي بعض أجناسه مثل القصص(فيليب اسكاروس)، والروايات (فاروق سلوم)، وفي بعض وسائطه الثقافية مثل الصحافة (الطيب الفقيه أحمد ومحمود الرجبي ومحمد جمال عمرو)، والتلفزيون (عماد زكي ووفاء نجيب القسوس).
وأدب الأطفال المؤلف (طالب عمران) وأدب الأطفال المترجم (محمود الرجبي وروضة فرخ الهدهد).
د- الثقافة العلمية والثقافة المعلوماتية:
أجمع الباحثون على أهمية الثقافة العلمية للطفل العربي، وكانت آراؤهم متباينة إزاء تشخيص وضعيتها واتصالها بالثقافة المعلوماتية، والتعامل معها.
- وضعية الثقافة العلمية:
أعاد طالب عمران بعض حديثه عن أدب الخيال العلمي في المؤتمر الثامن عشر لدى عرضه لتجربته في كتابة الخيال العلمي للأطفال، مؤيداً القول أن الثقافة العلمية تتوطد في ثقافة الطفل العربي، وشرح مؤلفاته بإيجاز، وبين ضرورة معرفة كاتب أدب الأطفال بالعلم والتقانة وتدريبه على الكتابة العلمية للأطفال، وختم شهادته عن تجربته بالخاتمة إياها لبحثه في المؤتمر الثامن عشر، حول أهمية الخيال العلمي للأطفال من خلال قول اسحق عظيموف:
(يقول: ومن بين (100) قارئ للخيال العلمي، (50) على الأقل يهتمون بالعلم ويتابعون، ومن بين هؤلاء ال (50) نجد (25) طفلاً يتابعون تخصصهم العلمي، (10) من بينهم يتابعون التخصص العالي، ومن بين هؤلاء العشرة ينبغ عالم واحد على الأقل. إذاً من بين كل 100 طفل قارئ للخيال العلمي، سيأتي إلى أمريكا عالم واحد على الأقل، وهذه نسبة كبيرة)(9).
ثم ربط غالبية الباحثين الثقافة العلمية بتطورها في الثقافة المعلوماتية، فوجد محمود قاسم أن الثقافة العلمية تتوزع إلى الأشكال التالية:
تبسيط العلوم.
الموسوعات العلمية.
قصص الخيال العلمي.
ثقافة أسطوانات الكومبيوتر.
ورأى قاسم أن (ثقافة الكومبيوتر العلمية) تطور لابدّ منه في مسار الثقافة العلمية، وينبغي مواكبتها:
لقد عولجت الثقافة المعلوماتية عند عبدو محمد ومحمد قرانيا ومريم خير بك وموفق أبو طوق ونور الدين الهاشمي ونازك الأعرجي وإبراهيم سند وعبد التواب يوسف ولينا كيلاني وعلي أحمد الديري، ورأوا جميعاً أنها تطور لا سبيل إلى تجاهله.
وبيّن محمد قرانيا شيئاً من الشائع والمتواتر اليوم، عن أهمية المعلومات، والشعر والكومبيوتر، والرواية والمعلوماتية، وأدباء الإنترنت، والنقد والإنترنت، والإنترنت وأدب الأطفال، وحوى بحثه نظرات ثاقبة في وضعية أدب الأطفال إزاء المعلوماتية، والتفت موفق أبو طوق إلى البرمجيات وضرورة إنتاج برمجيات عربية.
وأوضحت لينا كيلاني جدوى الكتاب الإلكتروني للطفل وفعاليته الثقافية والمعرفية، لأنه يقوم على الكلمة أيضاً، (فالقيمة العالية للكتاب تأتي من أن الكلمة التي تحتوي بذرة الفكرة هي سيدة الموقف، وأن الكتاب هو العالم الذي يتحكم فيه الطفل بخياله وبتواصله الانفرادي معه)(10) .
واثار علي أحمد الديري أسئلة المعلوماتية في تأثيرها في خيال الطفل وتوظيفها في ثقافة الطفل العربي.
من الواضح، أن أدب الخيال العلمي في المؤتمرات الأدبية واسع، ثم تعالى الاهتمام بهذا الأدب في المؤتمر الأخير المنعقد بدمشق في مطلع شهر حزيران 2007، توثيقاً لمكانته في الفكر والإبداع، وتقريبه من المتلقين في التربية والتعليم والمجتمع.
***
المراجع:
8 - أدب الطفل العربي ص182
9 - المصدر نفسه ص612
10 - المصدر نفسه ص921
11 - المصدر نفسه ص947