نصف مليون قارئ لرواية سعودية في نصف شهر، خبر يستحق التأمل والسؤال، وجعل صديق كبير، يستدعيني إلى مكتبة، وحينما أدرك أني لا أعرف شادية وروايتها، فتح فمه مندهشاً، وغّير الكلام إلى موضوعٍ ثانٍ.
لم اطمئن لسؤال مراوغ، يخفي جهلي برواية سعودية، وظل سؤالي حارقاً ونافراً في ذات الوقت، فالرواية المحلية هذا الجنس الأدبي الشامل، تقلد في عباءته سيد الفنون الشعر، ومهد لحضور شرائح المجتمع المقصية والمهمشة، فتحيل الحياة إلى مسرح كبير من الخيال، ومشهدنا الثقافي مع كل احترام لعالم التجريب باسمه، يظل ناقصاً ما لم تحضر المرأة، وتشكل أول مسمار على الخشبة، وتخيلوا حياة بدون امرأة؟ وما معنى حياة بلا امرأة؟ فالحياة في الواقع هي امرأة، فهل نضحك على أنفسنا؟، وما الذي فعله كتاب الرواية السعوديين من الجنسين، وبالذات الكاتبة الروائية من تحديد وإضافة للرواية العربية، ليصبح هذا الجنس الأدبي الأثير تحديداً، مغرياً وعنواناً بارزاً في المشهد الثقافي العربي؟.
الرواية هذا الفن الذي نبذناه دهراً، بل لم يجرؤ على كتابته إلا قلة، الرواية الفن المدني حياة وكتابة، كنا نكتب نهايته خارج الحدود، قلت هذا الكلام من ربع قرن، وما زلنا نخفي الكثير، فالجيل الأول الذي كتب نهاية نصه، خارج الحدود وطبعه أيضاً، وأذكر أن رواية (سفينة الموتى) لشيخ الرواية المحلية - إبراهيم الناصر الحميدان، ضائعة خارج الحدود من فوق ثلاثين سنة، وقس على هذا كل السياق الروائي إلى الآن. ويصعد السؤال عالياً، ما الذي حدث؟، لتأخذ الرواية مكان الصدارة، و لتصبح روايتنا المحلية بهذا القدر من الشيوع؟، فإذا قدرنا أن هناك تجارب مماثلة في العالم العربي، وتجارب أخرى مبدعة في العالم، لأن المعرفة والفنون تتماس في الكون، فلا أظن أن لهذا الشيوع، ما يدل إلى إبداع جمالي وفني، حملته الرواية المحلية، ليعد فتحاً للرواية العربية، لتنحصر الدلالة في بنية عالم النص الغريب، ولتقريب الصورة أكثر، فأن الساحة المحلية حفلت في السنوات الأربع الأخيرة، بطفرة روائية بلغت أكثر من مائة وخمسين رواية، شكلت جزء من ذات الظاهرة، وليس من الطبيعي أن يجد كل النتاج الروائي، ذات الشيوع والذيوع والشهرة، وليس مهماً حصد قيمة فنية، فالفنون الضاربة تنتهك القيود، والروايات الضاربة حملت ذات سمة في شرطها الفنية، وتباينت في تفاصيل الخطاب وغيره، فرجاء الصانع التي جاءت برواية واحدة، كسرت كل الحواجز وكتبت سطراً جديداً، ذهب في سفر الصيت الروائي المحلي، وقدمت ذات بنية العالم الروائي المعني، المتماس في خطوط كثيرة مع العالم المجتمعي، وتفردت بعالم الرقص والغناء، فثراء خصوصية عالم النص الروائي، شكل السمة والمحك لهذا الشيوع، إذن فالأسئلة تعنى ببنية عالم النص وحدها، وأعرف منهم الكثير وهم محقون، ملوا من الحديث عن بعض الروايات، لكنها. حتما هنا تحضر حينما نستحضر بنية عالم روائي، ينتمي لبنية هذا العالم نصوص لفهد العتيق، ويوسف المحيميد، وأحمد الواصل، ومحمد القشعمي، وكل نتاج د. تركي الحمد الروائي، ورواية (سقف الكفاية) لمحمد حسن علون كبنية مجتمعية، وليس بالضرورة أن يحضر عالم الرقص في نصوصهم، وأحدث قاص وقاض وفنان تشكيلي جميل، الهزة و الخوف بنصوصه لشرائح بنية هذا المجتمع، فحورب وهمش وهجر الفن، وأعتزل الكتابة من ربع قرن، لأنه مس الطبقية المجتمعية بفنه، ولم يلتفت لنصه غير الرائع الكبير الأستاذ - عابد خزندار، فكتب عدة دراسات نقدية عن المجموعة الوحيدة (أكذوبة الصمت والدمار) للكاتب الرائع - عبد الله العتيق، وأبصم هنا أن أول من ولج بنية عالم الرقص الروائي المحلي، هو صديقي ورفيق البدايات - عبد العزيز الصقعبي برواية (رائحة الفحم)، وقدم طقاقة نصه الروائي الوحيدة أيضاً: ب(أيها الحكم.. يا هذا العقل.. ما مصير هذه القافلة هذه طفلة منيت بأحزان أبدية.. هل يعيبها أن تكون طفلة تزوجت من كهل ورحل بعيدا.. تركها تتجرع مرارة الحزن؟ ما العيب في أن تمارس الرقص والغناء؟.. ألانها أرملة تكون مصدر شبهة؟)
* ص34، ليعود عبد العزيز لفن القصة القصيرة جداً الذي أخلص له.. ولنكن منصفين، فلابد أن نستحضر (زوربا) اليوناني، لنفهم درس (كازنتزاكي) في معنى الصمت والتعبير بالجسد، ونذهب إلى (عرس بغل)، لنرى حرقة الأجساد في عالم الطاهر وطار، فالفرح والرقص ليس خصوصية لنا، وأحدهم بيننا في أمسية فنية ثقافية لفرقة تونسية، تؤدي لونا تعبيريا جميلا بقصر الثقافة الفخم، فيسأل بدهشة بلا مبالغة، ما يفعلون هؤلاء يتلوون كالمجانين؟، وينسى أن طبولنا دارت العالم، ليشهدوا رقصنا العظيم !
هذا الرقص بالذات لن يحضر في عالم سردي، يكتبه روائي آخر فالعنوان لنا كلنا في أطياف الوطن نحب ونرقص، نستعرض رقصاتنا في الساحات العامة، ونبتدع المناسبات لنستعرض قاماتنا المديدة، وليعذرني الروائي الحزين - إبراهيم شحبي لو كنا في الجنوب، نرى في بعض (ال رق ص ع ي ب) على سبيل التندر، مكة المكرمة والمدينة المنورة بيئات روائية، بزغت منها أولى البواكير الروائية كمجتمعات مدنية، ويتنوع نتاج العالم الروائي، بتنوع الثراء والمعطيات الفنية والثقافية، وسنجد معنى لهذا التلون في النسيج المجتمعي، وسنجد تماساً وهموماً وقضايا معاصرة مشتركة ومتعددة، وليسمح لي حسن النية، تجاوز قراءة كل الهموم المشتركة، ونبقى في متع عالم الرقص الروائي..
خصوصية الرقص التعبيري، جعلتنا ننسى أن هناك عالماً خفياً أخر يرقص معنا، ويشكل الجانب الأخر الخفي من الصورة، فسألت كثير من الأصدقاء، ُكتاب السرد عن رواية شادية، ليأتي الجواب بأنها مجرد مشروع رواية، كتبت على موقع بالشبكة الإلكترونية، ووقعت باسم مستعار ربما كان رجلا، واختفت بنفس السرعة التي ظهرت بها، ويعيد البعض بحسن نية إغراء دار نشر عربية، عُرفت بنشر الروايات الضاربة، بتعبير المنتجين في الحقول الفنية صوتا وصورة وحرفاً، فكانت مفاجأة صديقي الكبير، بعث بالرواية داخل مظروف، لتبعث لياقة الرقص بحرية النبض في هذي الحروف، فشادية الطقاقة الخفيفة الروح المتمردة بفطرتها، تقاوم أي حزن أو ضياع بمزيد من الطق.. والطق والغناء: (رقاصة في شارع (السبالة)، أحبت البراغماتي فرج عبد الشيوخ، وغيرته بالشيوعي مروان، وارتمت أخيراً زوجة مسيار، تنتظر حضن شيخ الشيوخ). الرواية التي تكتب في زمن التقنية، ويقرأها نصف مليون قارئ، تنتمي إلى زمن شارع العصارات 72 م، وترصد تحولات مجتمع الرياض بإسقاطات سياسية وطبقية مجتمعية، فاقدة الدلالة المؤهلة لحضورها في السياق السردي، لنتأرجح بين الثنائية والازدواجية، الخيال الجامح الموازي لواقع جامد لم يتحرك، والدلالة لفاعلية وتأثير الطبقات والشرائح المجتمعية المقصية والمهمشة، والرقص مفتاح السرد لعوالم الرياض الغامضة، ليمر سؤال عابر في ذاكرتي من سنوات بعيدة، يحذر من الإفراط في التجريب حد الإحباط، فستأتي امرأة تكتب الرواية المحلية، وما زال القائل شاهداً حياً.
رجاء عالم كاتبة روائية مميزة، لها حضورها في المشهد الروائي العربي، وليلي الجهني، ونورة الغامدي، وأميمة الخميس، وكثير من أسماء الجيل الحديث، يشكلن نسيج وخارطة وهوية محلية للرواية النسائية، لكن. يبقى السؤال متجددا ،ً لماذا تظل هناك روايات مطلوبة، بمقاييس المعايير ضاربة (الطق.. الطق) في عالم روائي، تمثل نماذج بنيته روايتي شادية، ورجاء الصانع، حتى لو قدمت شاديه بنية عالم قاع المجتمع، ورجاء شرائح وسطه و قمته؟، خلاصة القول والمساحة تضيق، ودور الرواية كشف المستور، أظن أننا سننتظر كثير من روايات الطقاقات الضاربة، تندب باسم الروية وتحصد النجاح، وستكتب بأسماء مستعارة تتمثل المرأة والعالم الخفي، ستكتب بحدة وجراءة، وستنجح تجارياً قلت هذا لصديقي الكبير، ولكن. حتماً لن تمثل الرواية الشاملة، ولا حركة وفاعلية المرأة على الأرض، ولو أحدثت نافذة للتنفيس، وفرضت هذه الصورة النمطية لبنية الرواية المحلية؟.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5212» ثم أرسلها إلى الكود 82244