- المسرح ثقافة الشراكة -
الوجود في حد ذاته لا يعني قيمة دونما حاصل أو ناتج، مبدأ قلما نعترف به، لأن البدايات تظل تبهرنا حتى تصبح نهايات، معوق يمنع تطور البداية لأنه يوهمنا أنها رمز للاكتمال، وهو ظن مرجعه يعود إلى صعوبة تأليف البدايات، وحتى وإن كان الأمر كذلك، فهي تأريخ لا يمكننا إغفاله، لكنها ليست انجازا، والخلط بين القيمتين أحسبه مصدر أزمة غياب النتاج الثقافي.
لعلها مقدمة تعاكس مشاعر المباركة التي يجب خطها ونحن نستقبل جمعية للمسرحيين السعوديين التي تعرضت للكثير من الاستفهامات والاستنكارات، منها طبيعة الاستحقاق المعطى للمرأة للتمثيل من خلالها، فهل من المعقول أن يكون هناك مقعد واحدة للمرأة مقابل تسعة مقاعد للرجل؟.
وقد يأتي الرد على اللامعقول بمعقول، هو أن الأمر يرتبط بشروط ومدى توافرها في العضو المرشح لنفسه، وهو مبرر معقول في حالة إن كان لدينا العديد من الخيارات والكفاءات التي تلزم الضبط والاختيار، ولكن عندما تكون البداية من الصفر، أعتقد أن من الحكمة أن تحمل بعض التجاوز وخاصة فيما يتعلق بمشاركة المرأة لأن المجتمع يتحمل نتيجة إقصائها عن المسرح لا بسبب عجزها، وهو ما يعني توسيع دائرة الخيارات في ضوء المعقول المرن، لإتاحة الانضمام لكل من يرغب أو ترغب إلى الجمعية ويحملان مشروعا تنويريا لتطوير المسرح بصرف النظر عن السن أو التخصص، المهم أن (تملك إيمانا) و(تحمل حلما).
ومن يقرأ تاريخ المسرح العربي سيجد أن من أسسه وأسهم في تطوره كان خليطا من الناضجين والشباب ومن تخصصات مختلفة، وأن رائد المسرح العربي وأباه الروحي توفيق الحكيم لم يكن متخصصا في المسرح ولكنه مثقفٌ به.
فالتخصص مكانه الجامعات وليس المسارح، ولم يكن رواد المسرح العربي أكاديميين وأساتذة جامعات بل مؤمنين بحلم التجريب الذي يتماشى مع طبيعة ظرفيات الوعي الشعبي ومشكلاته وقضاياه، وهي الخاصية التي تميز المسرح عن غيره من الفنون.
وعندما سيطر الأكاديميون عليه سقط المسرح العربي الثوري والثقافي، لأنه أصبح يمثل الخطاب الرسمي، ولأن الأكاديمي والموظف الحكومي يحمل ثقافة خطاب السلطة، والمسرح على الافتراض يجب أن يكون منجزا حرا بعيدا عن الحسابات واللعب السياسية فالمسرح عالم مفتوح, إنه يشبه الحياة يمتلئ بالاختلاف والتناقض ويعبر عن الشراكة الثقافية والاجتماعية والسياسية، فالمسرح مواجهة مع الوعي الشعبي، وهو بذلك لا بد أن يحمل درجة عالية من المصداقية المكشوفة، لأنه لا يعتمد على الرمزية والإنابة كباقي فنون النثر المقروءة المعتمدة على القارئ النخبوي، إنه ثقافة مختلفة عن طبيعة ثقافة الوعي الشعبي السعودي وهذا ما يجب أن ندركه جميعا ونوفر له الضمانات الكافية لتحقيق ثقافة مختلفة عبر المسرح.
تأتي جمعية المسرحيين في زمن مكدس بالفوضى غير الخّلاقة، في غياب المسرح الجماهيري، وفي غياب المعاهد الفنية لتدريس الفنون المسرحية، وفي غياب الكتابة الاحترافية للمسرح، وفي غياب الفرق المسرحية المنظمة وفي غياب المسرح المدرسي والجامعي، وفي غياب العنصر النسائي على مستوى التمثيل الاحترافي، فهل نستطيع أن نقول أن الجمعية مجرد «مهزلة»
أقول مهزلة لأن الترتيب المنطقي للأشياء غير صحيح، أو هكذا أعتقد، فالجمعية على الافتراض يجب أن تتكون بعد إتمام احتياجات المسرح الجماهيري المحلي، أي أن وجودها مرتبط بوجود سابق لمعاهد فنية لتدريس فنون المسرح من تمثيل وإخراج وديكور وإضاءة وتأليف وسيناريو وحوار، ووجود سابق لفرق مسرحية منظمة، بوجود سابق لخبرة احترافية في التأليف المسرحي، لا سعودة النص المسرحي أو دبلجته، بوجود سابق لتأسيس روافد للمسرح الجماهيري عبر المسرح المدرسي والجامعي، وفتح المجتمع لاستقبال كل التجارب المسرحية العربية باختلاف أنواعها الفنية والفكرية.
لأن الجمعية تستمد وظيفتها ومهامها من الوجودات السابقة لها، فوظيفتها وظيفة تنظيمية تطويرية لكل تلك الأشياء، وليست تأسيسية إلا إذا كانت تتحكم في إصدار قرار رسمي بالنشوء والارتقاء، ولا أظن أن هذا الأمر من مهامها.
كما أن الجمعية ليست كما يتوهم البعض ستصبح بديلا أو نائبا عن القرار في إيجاد مسرح سعودي شعبي، فهي ليست مؤسسة ثقافية مخولة لإيجاد مشاريع للتأسيس بل هي مجرد إحدى أنشطة التفعيل الثقافي تخضع لاعتبارات مادية وثقافية وسياسية ودينية واجتماعية، وهذا ما يجعلنا نفرق بين المؤسسة الثقافية والمنشط الثقافي، فالمنشط الثقافي وسيلة تنفيذية لا تحظى بأي صلاحيات، على عكس المؤسسة الثقافية التي لها صلاحيات من ضمنها إصدار قرار وتفعيله، بمعنى أن على المثقف ألا يطالبها إلا في حدود إمكانية المنشط الثقافي أي إمكانيات الجهة تنفيذية فقط.
أنا لا أقلل من أهمية التجربة، ولست بصدد تثمين قيمتها، لأن تثمينها مرتبط بانجازاتها المستقبلية، ومن حقها أن نعطيها فرصة لإثبات منجزها التنويري، وإن كنا لم نقرأ حتى كتابة هذا الموضوع أجندة واضحة لأهداف وغايات الجمعية إلا بعض التصاريح المتفرقة لأعضاء الجمعية والتي تدخل ضمن باب التفاؤل بالعموميات، العموميات التي تعتم الرؤية لا توضحها، ولعل سنة من تاريخ إنشاء الجمعية مدة زمنية كافية للعودة إلى الجمعية لمساءلتها عن بعض منجزاتها.
على العموم لن أخالف الرف الثقافي في هكذا مواقف من أن أنثر أمنياتي وتمنياتي للجمعية بالتوفيق وأتمنى أن تسعى إلى تأسيس بنية تحتية للمسرح المحلي الجماهيري عبر إنشاء معاهد لتدريس الفنون المسرحية، لأن تلك المعاهد هي القاعدة الأساسية لتدعيم وتشجيع الفن المسرحي في المجتمع، وليست دونه أي بدائل.
وبناء مسارح وهي خطوة لا تقل عن أهمية الخطوة الأولى، بل تعدّ خطوة التحدي التي تثبت مصداقية المشروع الثقافي المسرحي الذي تقوده الوزارة، وهي خطوة تفعيلها ليس باليسير لا لأنها تتطلب ميزانية مستقلة فقط، بل وهو الأهم إيجاد التآلف بين الوعي الشعبي والمسرح الجماهيري بأدبياته المختلفة ومتطلباته كوقوف ممثلات سعوديات على المسرح وضرورة الاختلاط في هكذا فن، فالمسرح فن يقوم على الاختلاط وهذا يعني أنه سيكون مكانا محطما لأحد أهم تابوات المجتمع، ولذا قلت لا بد من تآلف بين الوعي الشعبي والمسرح، فالمسرح يحمل ثقافة مختلفة عما ألفها المجتمع، وهذا في حد ذاته يُحمّل الجمعية مسئولية القيام بالوسيط بين الوعي الشعبي والفن المسرحي.
إضافة إلى مسئوليتها في تشجيع على ازدهار الحركة المسرحية عبر دعم الفرق المسرحية وزيادتها، وإيجاد وظائف تابعة للمسرح لتوظيف كل من يمارس بشكل منتظم العمل المسرحي سواء الفنيين أو الممثلين، ليستطيع الفني والممثل المسرحي التفرغ للعمل المسرحي، على أساس أنه موظف في المسرح وهو أمر يدفعه إلى تجويد موهبته كممثل، كما يسمح للجهة المسئولة عنه إلزامه بتطوير أدواته عبر إلحاقه بدورات مختلفة في مجالات فنون المسرح، وتوفر للفني والممثل المسرحيين الأمن المعيشي، ومتى ما شعر المرء بالأمن المعيشي أبدع وابتكر وهو ما يزيد إيمانه بهذه الموهبة ويدفعه إلى تطويرها وبالتالي تطوير المسرح وفنونه المختلفة.
لست متفائلة بهذه الجمعية ولست متشائمة بها أيضا، لكنني من المنتظرين والمنتظرات لم ستطرحه من ثمار وحينها لكل حادث حديث.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244