ولد الشاعر عبدالله الزيد في قرية (الداهنة) بإقليم الوشم في الثاني من ربيع الآخر عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة 1372هـ، ونشأ في أسرة متدينة اهتمت بتعليمه العلوم الدينية إلى جانب العلوم الأدبية مما كان له الأثر في توجهه إلى اللغة العربية والأدب حيث تلقى تعليمه الجامعي في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وأكمل مشواره الأدبي ولم يكمل مشواره الأكاديمي.
وبعد انتقاله إلى صخب المدينة وضجيجها والحركة المتواصلة فيها بدأ يحس ببوادر العزلة والاغتراب بعيداً عن أحبابه، فثارت شجونه وانطلقت هواجسه الشعرية معبرةً عن كل ما يجول بذهنه معاناة وذكريات في أبيات وقصائد معبرة.
والحزن في حياة الشاعر عبدالله الزيد يشعل الوجد الناري المتردد بين الماضي مع الحبيب وبين الوداع المتوزع في صور شتى من حياته ابتداءً بوداع أبيه - رحمه الله - ثم فراق الحبيب - شريكة حياته - ثم وداع شقيقه (محمد)، ثم يمتد الحزن بمعاناة والدته مع المرض، ثم يجري جرح آخر بوفاة ابنة شقيقه في حادث سيارة، فينفعل الشاعر الإنسان مع هذه الأحداث المؤلمة ويسطر حزنه في قصائده من خلال تجربته الشعرية. وللشاعر عبدالله الزيد روافده الثقافية، ومن أهمها:
1- القراءات: حينما سئل الشاعر عن فضاء قراءاته ومن يعجبه أجاب: أتمنى أن آخذ من كل فن بطرف وأميل إلى الثقافة الموسوعية.. غير أني لا أفر أبداً من مجالين اثنين: الشعر الخاص، والنقد الأدبي والثقافي، ويعجبني كثيراً أحمد سعيد شعراً ونثراً. ومن خلال اطلاع الشاعر الواسع على الشعر العربي ذكر عدداً من الشعراء الذين تتوقف إليهم روحه الإبداعية ومنهم: هوميروس، وزهير بن أبي سلمى، وعروة بن أذينة، وأبو تمام، وغيرهم وجميع شعراء الثمانينيات في الساحة المحلية.
2- التجارب الحياتية: ومنها الحزن الذي تردد كثيراً في حياته بوفاة والده وشقيقه.. ووداع بعض أحبائه، وقد شكلت تلك الأحداث جزءاً كبيراً من معاناته وظهرت النبرة الحزينة في كثير من قصائده.
3- التجربة الإعلامية: وكان الشاعر من خلالها على اتصال بقضايا الثقافة الأدبية.
4- الوظيفة: إلى جانب تنفيذ الشاعر للفترات اليومية وقراءة النشرات الإخبارية كإذاعي في الإذاعة والتلفاز، قدّم العديد من البرامج الثقافية والأدبية، فكان ذلك دافعاً لمزيد من الاطلاع المكثف للأدب وقضاياه المختلفة، والإبداع الرائع من قبل الكتاب والشعراء، وتناول ذلك كله عبر تلك البرامج.
5- الانتقال إلى المدينة: (الرياض): وشكل هذا الانتقال تحولاً نفسياً وعلمياً في حياة الشاعر عبدالله الزيد، فبعد انتقاله من بلدته: (الداهنة) إلى صخب المدينة وزحامها بعيداً عن الأحباب بدأ شعوره بالعزلة والاغتراب مما ساهم في تكوين جزء كبير من معاناته، فانطلقت هواجسه الشعرية وتوقدت قريحته وعبّر عن كل ما يجول بذهنه من ذكريات قديمة ومعاناة حالية، جسدها في قصائده المعبرة
وقد كانت دراسته الجامعية البوابة التي دخل منها - بوضوح وثقة - إلى الساحة الأدبية والنقدية، حتى أصبح من أهم شعراء التحديث في المملكة، ومن أفضل النقاد تناولاً ودراسة.
مشاركاته: الشاعر عبدالله الزيد عضو مشارك في كل من:
- الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
- والنادي الأدبي في الطائف
- والنادي الأدبي في جدة
- والنادي الأدبي في القصيم
وعضويته ومشاركته مع تلك المؤسسات والأندية الأدبية والثقافية جعلته على احتكاكٍ مباشر مع الأدباء والنقاد، وتناولٍ لقضايا الأدب والنقد، وتواصلٍ مع جمهور الأدب العربي المستمتع بعطائه المتميز، والدافع له إلى تقديم الأفضل للأدب العربي وربط قضاياه بالشعر.
وللشاعر تجربته الإعلامية التي بدأت في الأول من ربيع الأول عام 1397هـ وحتى الآن، كما عمل مذيعاً في الإذاعة والتلفاز في الرياض، كما شارك في تقديم بعض البرامج والنشرات الإخبارية في إذاعات دول الخليج ومنها: (الدوحة) و(أبوظبي).
كما أحاط بالتحرير، والمصنفات، والمطبوعات، والبرامج، والعلاقات العامة، وقام بالإشراف الثقافي والأدبي، والتصحيح اللغوي، والاتصال والشؤون الإدارية ثم تفرغ من أواخر عام 1423هـ للإعلام الداخلي من خلال العمل في إدارة المطبوعات، وأخيراً انتقل عمله إلى وكالة وزارة الثقافة للشؤون الثقافية.
كما شارك في عديد من الأمسيات والندوات الشعرية والثقافية والمهرجانات الداخلية مثل (الجنادرية) و(المربد)، وكانت آخر أمسية للشاعر عبدالله الزيد في بيت الشعر بنادي الرياض الأدبي مساء الاثنين 25-8- 1427هـ ، 18-9-2006م.
ويرى الشاعر أنه أقل جيل الثمانينيات إبداعاً وتوهجاً شعرياً برغم كونه الإعلامي الوحيد بينهم وبرغم ظهوره اليومي في الإذاعة والتلفاز وذكر لذلك أسباباً منها: عدم توافر مجموعاته الشعرية لدى النقاد والدارسين وخصوصا أنه من الذين لا يحاصرون المتلقي بإنتاجهم، ولا يسعى إلى توزيعه ولا إهدائه إلا بطلب ملحّ.
ساهم الشاعر بنتاج أدبي: شعري، ونقدي، فهو ممن اهتموا بالنقد التطبيقي المتميز من خلال دراساته النقدية في العديد من الدوريات والصحف لنصوص ودواوين شعرية، وله عشرات القراءات لأعمال حداثية وتقليدية، كما في مجلة (اقرأ) و(اليمامة) وفي الزوايا الصحفية الثابتة أيضاً التي طرح فيها تصوراته النظرية. وله آراء نقدية خاصة لروايات د. غازي القصيبي، ومن دراساته النقدية: مقاربته لأعمال سامي مهدي، وهو في تلك الدراسات يعتد بشهادة الكاتب وأقواله معتبراً إياها إضاءة لإبداعه، ويركز على أهمية الوعي الجاد بمهمة الشاعر الإبداعية.
كما اهتم بقضية التجنيس ورصد الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية، ولكنه يحتاج في بعض أحكامه إلى الاستشهاد النصي المقنع.
وأشار إلى نوعين للذين كتب عنهم:
- نوع لم يتمالك نفسه ولم يقدر أن يخفي الامتعاض، ووصل الأمر معه إلى مرحلة القطيعة والهجر والتربص.
- ونوع أظهر التقبل وعدم الاكتراث وبالغ بعضهم فأبدى الترحيب والاعجاب وأبطن خلال ذلك.
ثم أشاد بالمبدعين والكتاب الحقيقيين الذين رحبوا بصدق وفي مقدمتهم: غازي القصيبي، وعبدالعزيز خوجه، وأحمد الصالح وغيرهم.
كما شارك الشاعر بكتابات نثرية (زوايا صحفية) في عدد من المجلات والصحف كمجلة اليمامة، واقرأ، والشرق، والجيل, وغيرها، وفي الصحف المحلية كالجزيرة والرياض، وعكاظ وغيرها، ومن أشهر زواياه:
- (من دائرة التعامد) و(يرغب الزمان يتماثل المكان) في مجلة اقرأ.
- (إيقاع التكوين الآتي) في مجلة اليمامة.
- (من لباب الكتاب لمقام القلم) و(معاً في المربع الذهبي ولا مفر من التشجيع) في جريدة الجزيرة.
صدر للشاعر عبدالله الزيد ثمان مجموعات شعرية، وهي:
1- (بكيتك نوارة الفأل.. سجيتك جسد الوجد).
2- (ما لم يقله بكاء التداعي).
3- (ما قاله البدء قبلي)
4- (أمُدُّ الدمع من عيني لبدء الريح)
5- (مورق بالذي لا يكون)
6- (من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد.. يتلو سراج الروح)
7- (انبسطت أكف الرفاق بقي الجمر في قبضتي.. أغني وحيداً)
8- (مشرع برحيق الذهول.. يهطل الوجد بالمستحيل).
وله شعر في كتب المختارات كقصيدة: (رماد الهزيع) في كتاب:
(مختارات من الشعر العربي الحديث في الخليج والجزيرة العربية).
والقصيدة من ديوان (أمُدُّ الدمع في عيني لبدء الريح)، وقصيدة: (ما قاله البدء قبلي) في: (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث - نصوص مختارة ودراسات)، والقصيدة من ديوان: (ما قاله البدء قبلي)، وقصيدة: (أنتفي برحيل الأسى.. أحتفي بنشوء الأسف) في: (معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين) والقصيدة من ديوان: (انبسطت أكف الرفاق بقي الجمر في قبضتي، أغني وحيداً).
كتب الشاعر عبدالله الزيد قصائده في موضوعات مختلفة ومن أشهرها: الرثاء، والتأمل، والشكوى.
وهو مكثر من الرثاء، وهذا يأتي من الإنسانية المتدفقة لديه وهي تؤكد حبه للآخر. ويأتي الرثاء بعد أن تتراءى صور الوداع أمام رؤاه، فتؤرقه وتبعث التوتر في هواجسه، فقد ودع أباه، ثم فارق شريكة حياته، ثم ودع شقيقه وبعض زملائه وأحبائه، فتمطره تلك الوداعات المتتالية بدموع الحزن واللوعة والدعاء، وتهطل قصيدة (كلي بكاء) لتعبر عن شطر من تلك المعاناة بعد وفاة والده في أواخر رمضان عام 1396هـ، يقول فيها:
أأكتب الحرف عن حزني وعن ألمي
عن انتحار دمائي في شراييني
لحن على شفة الفجر الحزين أنا
مضرج بدم المأساة تكويني
لحن عليه سؤال مر مرتعشاً
لما انتهى وجد العنوان يرثيني
كلي بكاء.. وتاريخي عليه رؤى
كئيبة تحزن الآلام.. تحكيني
ويعود الشاعر في أواخر رمضان من عام 1408هـ، ويكتب قصيدة في ذكرى رحيل والده بعد مضي اثني عشر عاماً على رحيله، ويرصد فيها أمشاجاً من المعاناة الذاتية والاجتماعية منذ زمن الرحيل إلى زمن هذا البوح، وهي بعنوان (لمثلي أن يغمد حالته الآن في الجنون) من ديوان: (انبسطت أكف الرفاق...) يهديها بقوله: (إلى الأنموذج الآسر بعد اثني عشر عاماً على رحيله)، ومن أبياتها:
تعيد عواصفك الحزن صوب احتدامي
وتغرقني
في زمانٍ
أظلّك بالمورقات
وأسقاك..
حتى تمثلك الشاهد المستبيح
وناشدك الموسم المستباح بشارة فتحٍ
غفت في اليقين