لعله لم يقيض الله لرئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من يشخِّص خللها مثلما يفعل الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ! فالبرغم من حماسه وغيرته على مكانة الهيئة وأهميتها في الحفاظ على الفضيلة، وتشديده على كونها شعيرة تمثل الركن السادس في الإسلام، إلا أنه لم يتغاضَ قط أو يدافع عن أخطاء منسوبيها، وهذا - بلا شك - يُحسب له، ويشاد به.
خلال اللقاء مع معاليه أثناء ندوة الجزيرة السابقة أبدى انفتاحاً وتفهما، ولاسيما أن اللقاء كان يشمل كتّاب الجزيرة وكاتباتها على طاولة واحدة، ولم يرفض الاجتماع الفكري الثقافي، بل أجاب عن جميع الأسئلة من الطرفين بسعة صدر ودماثة خلق وتفاعل ورؤية تفاؤلية لجهازه المثير للجدل!
وأذكر أنني خرجت بانطباع إيجابي، لا يزال تأثيره سارياً في نفسي، وحمدت الله على اختيار القيادة لكفاءات تتفهم دورها، ولا تحابي أو تجامل على حساب مصلحة المجتمع.
ولم يقف دور الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف عند التفاؤل فحسب، بل بدأ - إيماناً بربه وثقة بنفسه ووثوقاً بالقيادة الرشيدة - بتنظيف جهازه من النشاز الذين يحملون في دواخلهم أجندة نفسية يشوبها التطرف؛ ليطبقوها على المجتمع، فيحرِّمون الحلال، ويضيقون على الناس، حتى وصلت للمطاردات المشهورة التي راحت ضحيتها أرواح بريئة، لا يزال صداها يئن في القلوب!
ومن الجميل حقاً أن يعمد القائد - أياً كان موقعه - بتطهير جهازه، وهو ما صرَّح به الدكتور عبد اللطيف بأنه تم رصد خمسة وعشرين مشاغباً داخل الجهاز، لا يروق لهم العمل بانضباط، ولا يريدون لقافلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المضي وفق منهج نبوي، بل وفق أجندة الذين يضللون الناس للوصول إلى أهداف دنيوية، أو يبنون جسوراً للإخلال بالأمن واستقرار هذا الوطن الغالي، بزعم النصح والغيرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة أن يكون هذا الجهاز مطية لهم أينما أرادوا لتحقيق وجود لذواتهم، أو لأغراض بعيدة المدى، تهدف إلى تهديد وحدة هذا الوطن واستقراره.
وطالما شُخِّص الداء فلا بد من العلاج حتى ولو باستخدام المشرط والاستئصال، وذلك بنقلهم من جهاز الهيئة إلى دائرة أخرى؛ لاحتواء مشاغبتهم وتوجيهها إلى الخير، مع المحافظة على وضعهم وحقوقهم الوظيفية. وليس أفضل من رقابة البيع ومتابعة الغش في الأسواق والمحال التجارية، وإشغالهم بالحق؛ كيلا يشغلونا بالباطل!