يقول أحد أهم مؤرخي الإمبراطورية الرومانية: «إذا كثر الفساد في البلاد...كثرت القوانين والتشريعات!!»
كثيرا ما ينظر إلى الفساد كنتيجة، وتتعالى الأصوات وتتوجه الأصابع لتحديده وتهديده هنا أو هناك، لكن تشريح بنيته يتطلب ليس فقط البحث في أسبابه، بل أيضا كيفية صناعته ومحاضن مصانعه!
صناعة الفساد غالبا ما تنتجها المحاضن الإدارية، فهي من تشرعن لوجوده في ثقافة المجتمع بل وتمنح الغطاء المنطقي لممارسته... فحين تتنافس هذه المحاضن على إنتاج القوانين والتشريعات التي تغلق أمام أصحاب الحاجات والمصالح الأبواب دون مبرر، وتغيب مصلحة المستفيدين من الخدمات لصالح بيروقراطية تراكمية مغيبة عن الواقع تصبح ممارسة الفساد حلا لا مشكلة!!
رسم القوانين وسنها هو الرسم الأولي لحدود ملعب الفساد، ولذلك فإن هيئة مكافحة الفساد لابد أن تكون الحاضر الأبرز والمرجع الأهم في هذه المرحلة بل والمعتمد والمفتش الرئيس لتطبيقاتها ولن يكون ذلك إلا بالاستناد إلى خبرات إدارية وقانونية عالية المستوى تتجاوز إمكانات الهيئة حاليا!!
لو كنت رئيساً لهيئة مكافحة الفساد لما انشغلت عن مصانع الفساد بمتابعة وملاحقة منتجاتها!... ثمة أولويات لابد من تنقيتها وعلاجها في جسد تشتعل فيه الحرارة... فمراجعة التشريعات والقوانين والإجراءات التنفيذية مع كل الأطراف المؤثرة والمتأثرة بها والتأكد من سلامتها، مع فتح الباب لورشة وطنية كبرى تعيد رسم حدود المصالح بين جميع القطاعات بعيدا عن مؤتمرات الوعظ أو محاضرات الخطابة أولى خطوات ضرب الحصار على الفساد ومكافحته..
أخيراً لابد من كسر منظومة الفساد بدوام المراجعة والتخلص من أدوات المتابعة الرتيبة وابتكار أدوات الرقابة والاستكشاف الجديدة... فالفساد يتجدد ويتطور بتجدد المصالح وتطورها...
يتبع ....