يجمع الباحثون في قضايا مكافحة الفساد ان مصطلح «الفساد» نفسه قد أصابه الفساد! هذا الواقع المتشابك من وجهة نظري يحول الصورة المتخيلة عن الفساد في المجتمع إلى صورة لا تتطابق مع الفساد الحقيقي، فيستتر الفاسدون تحت ظلال المبالغة والتهويل وتضارب المعلومات واحباط الجهة المكافحة للفساد ورجالاتها من تحقيق نتائج تلامس سقف ووعي الجمهور المستهدف بالنتائج.
النظر إلى مكافحة الفساد كجهد حكومي منفرد يجعل سهام اللوم الشعبي دائماً تتجه إلى صدر الجهة المعنية بمكافحته ومهما تحقق من نتائج فإن فجوة الإنجاز تظل الأكثر حضوراً في الذهنية الشعبية، من السهل التنظير بأن مكافحة الفساد مسؤولية الجميع وأن كل فرد له نصيب في هذه المواجهة.. فبقدر منطقية هذا الطرح إلا أنه يصطدم بآليات تفعيله على أرض الواقع، ليتحول الأمر في مكافحة الفساد تماماً كما كان في فوضى الاحتساب التي ظاهرها الرحمة ومن باطنها العذاب.
المسؤولية المشتركة في منظومة مكافحة الفساد تكمن في تفعيل العمل المؤسسي لدى جميع الشركاء الداعمين لهذه المعركة ومراجعة أدوارها وتصحيح مسارها، فالمدرسة والمسجد ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة كلها على تماس مباشر بشرايين الفساد وأكثر سرعة وأمضى من أي طرف آخر في رصد بذوره ومواجهة غوله قبل أن يكبر ويستشيري في الجسد الاجتماعي، كما أن الإعلام أحد أهم أسلحة المواجهة، والذي كثيراً ما يطرح باعتباره السلاح الأمضى والأقوى، وهذا الطرح بلاشك لا يجافي الحقيقة لكنه يغفل أيضاً أن ذات الإعلام يمكن أن يكون أكبر غطاء للفساد حين يتجاوز جراحه الحقيقية ليكون منبر مزايدات عاجز عن تشريح الفساد والبحث في حقيقته وأبعاد تشابكاته المختلفة.
يرى تقرير التنمية الدولي الصادر من البنك الدولي عام 2002: (أن الإعلام يساهم بشكل فعال في زيادة الطلب على الشفافية والمأسسة في البلاد،كما أنه يمنح الأصوات الحقيقية المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد).. ولأهمية هذا الدور للإعلام في هذه المنظومة بات من الضرورة إعداد الصحفيين والإعلاميين -القياديين بشكل خاص-للوعي بالفساد بشكل مهني وفني يجنبهم فقدان الثقة من أي طرف في منظومة المكافحة وفقدان الثقة الشعبية بفاعلية هذا الدور ويكفي لقراءة أبعاد ما أقصده التأمل في الموقف الشعبي لقراءة أي موقف إعلامي جرئ باعتباره مجرد تنفيس..!.
صحيح أن الإعلام قد يصطدم بواقع رفض بعض الأطراف لدوره أما بسبب سوء فهم أو خشية من تداعيات موهومة لكن إطار هذا الدور يجب أن يكون بيد الصحفيين من خلال ممارسة مهنية تعزز الحقيقة دون مزايدات وإخفاقات تنزع الثقة.
يتبع .......