الاهتمام بالحرب المنظمة على الفساد دوليا حديث العهد نسبيا.. وقد بدأ كجزء من أجندة التنمية الدولية للمانحين حين شعروا أن برامج التنمية في الدول النامية المستهدفة تتعطل وتتأثر بسبب الفساد.. ثم تطورت أدبياته لتصبح جزءا أصيلا من أطروحات مراجعات التنمية وتقويم مساراتها بشكل مباشر وغير مباشر.
خطورة خطاب الحرب على الفساد أنه عاطفي ملهب للمشاعر ومركب سهل للطامحين.. قوته تكمن أيضاً أنه مرتبط بأي خطاب إصلاحي أو عمل حكومي جديد يستهدف كسب القلوب والتأثير من أجل الدعم الشعبي ولذا فإن عامل الوقت يظل الأكثر حسما في مساراته دوما.. والميدان الخفي الذي يغفل عنه المحارب!
الحرب على الفساد ليست إنجازات ورقية ولا مؤسسات رقابية إضافية.. الانتصار في الحرب على الفساد ميدانه قلوب الناس ووعيهم بالمنجزات وثقتهم في الأداء الذي تحقق والأمل الذي سيأتي مع كل غد..
مهما كنا اليوم متفائلين أو متعاطفين فإن هيئة مكافحةالفساد الوليدة في بلادنا بحاجة إلى الوقت والدعم والثقة.. والأهم في طريق مكافحة الفساد الطويل والوعر هو الدعم الشعبي المنضبط بالوعي لاستكمال حلقة منظومتها وضمان فاعليتها.. فالمجتمع المسترخي لسحر شعارات مكافحة الفساد بعيدا عن إدراك أولوياته وطبيعة آليات مواجهته أسهل اختراقا من قبل المتاجرين بمحاربة الفساد بعيدا عن نتائجه على أرض الواقع.
الحقيقة الأهم والتي أقر بها كثير من مسؤولي مكافحة الفساد في كثير من دول العالم هي أن الفاسدين لا يكتفون غالبا بفسادهم بقدر اهتمامهم بمواجهة وحرب كل من يسعى إلى تعرية أو مواجهة فسادهم وهم في الغالب أكثر رسوخا وفهما للواقع ممن يواجههم ولذلك فإن ميدان المعركة يتطلب الفهم العميق للواقع وكل ما يتصل به من تطبيقات وتشريعات مكتوبة أو غير مكتوبة كما يتطلب بالمقابل المزيد من الوقت والتأهيل والثقة الشعبية.
الملاحظ أننا كلما أبحرنا في الحديث حول مكافحة الفساد وصلنا إلى شواطئ بناء الدعم والثقة الشعبية والمجتمعية المستندة إلى الوعي.. ولعلي في المقالات القادمة أن أسهب في المزيد من التفصيل حول هذه القضية.