البارحة يا مدير عام المرور بالمملكة، عندما نامت الخلق وجن الليل وسكن الكون حتى لكأن الكون من صمته مات، لم أتذكر حينها عبثية المعري، ولا جنون أبي نواس، ولا تهتك ابن برد، ولا زهد أبي العتاهية، ولا كبرياء المتنبي، ولا المقفع ولا أبي دلامة، ولا الروايات اللافتة، ولا قصائد الشعر، ولا الرابية الخضراء، ولا القمر المنير، ولا عصافير الفجر، ولا طوق الياسمين، ولا هجيني الرواحل، ولا سباق العاديات، لكنني تذكرتك ودعوت الله ألا يردني خائباً من أن تصل رسالتي هذه لك مختصرة هينة لينة وأن تقرأها بمهل لا بعجل.
يا مدير عام مرور المملكة، سأريح ركابي عند باب إدارتك أو عند باب بيتك أو في الممرات إليك كيفما شئت أو أردت وابتغيت، لآتي إليك متحدثاً، ولأقول لك بصوت موزون النبرة وخافت الحدة، وجميل المفردة، وبهي الكلام، بأن المرور في العاصمة الرياض في وضع هش لين وحرج ورقيق، والناس يعتبون لأنهم في غيهب الظل والجدب، يمشون على وجل، عيونهم شاخصة، وأرواحهم فيها لوعة، وصدورهم فيها لهب، أثقلهم الوهن، ورماهم السهم، وأعياهم الخجل، حتى صارت عظامهم وهن يتلوه وهن، وشابت مفارقهم وابيضت حتى صارت مثل الكفن، لقد صار المرور عندهم كثيفاً سلبياً وبطيئاً، وبه تدن ونكوص وضيق شوارع وهدم وحفر وعدم كفاءة وسوء في الطرق وسوء في التنظيم وسوء في سرعة مباشرة الحوادث والمركبات الكبيرة تزاحم بعنف وحدّة المركبات الصغيرة وتغتالها في كل ساعة وكل حين، حتى أن أصحاب المركبات الكبيرة تمردوا على التعاليم واستباحوا شوارع الأحياء الضيقة الفرعية قصداً وعنوة، دون خوف أو مبالاة أو وجل، الناس هناك في الرياض قد بحت أصواتهم وتهاوت وسحقهم الألم وغابت عنهم المسرات طويلاً.
يا مدير عام مرور المملكة، شجرة الصبار قد نمت في ضلوع الناس هناك وخربشت وجوههم وأحشاءهم، حتى سقطوا بعدها في بحيرات اليأس، إن نوافذ أرواحهم صارت غير مشرعة للضوء، وأصبحت عتمة الزمان تغمر المكان، بعد أن قذفهم سير المرور وسوء التنظيم والتجاهل الكبير لبعض الأمكنة بأحضان التأولات الكبيرة، وبعد أن ضغطت هذه الأشياء الكثيفة كلها على أجسادهم وأرواحهم وقضمهم عدمية الحال حتى حولتها إلى مجرد أجساد وأرواح رقيقة مسجاة على فراش الانتظار الطويل والأمل الممل، لقد لبس الكثير من الناس هناك ثوب اليأس وتخبؤوا خلف مجراته البعيدة.
يا مدير عام مرور المملكة، عندما يقدر لك بأن تزور طريق خريص باتجاه الشرق ذات مرة، ستصاب حينها بالصدمة والدهشة، وستدخل في دوامة التفكير الطويل الممل، وقتها لن تستطيع الكلام وستدمع عينيك وستعيد ترتيب بيت المرور بسرعة البرق، وستحاول ربط الخيوط بعارضتي التأمل والحلم، بين الراكس والطافي على السطح، وستعيد معادلات المرور التي تشبه شظايا لوح زجاج مكسور إلى أقرب ما تكون إلى السلامة، وإعادتها إلى هيئتها الصحيحة بمواد وخرائط جديدة، وغير طريق خريص هناك طرق أخرى بل كل شوارع وطرق الرياض هي على هذه الحال.
إنني يا مدير عام المرور بالمملكة، أحاول معك توسيع الفكرة إلى أقصى حدود الإدهاش، غير أن استحالة تطويع الكلام غير قابل للكلام، إن الصراع الداخلي الذي يمور في صدري منذ أمد أعلنته عليك وكشفته لك هذه المرة بإيجاز تام، بعد أن توغل في جلدي وعظمي، قصداً وعنوة مني، لأن خطوط الفواصل والحواجز بيننا ملغاة، لقد أكدت لك بوحي هذا، وأريد منك التغيير في وضع المرور في العاصمة الرياض بعجل غير مؤجل، وأنت المسئول والمؤتمن وصاحب القرار، وهذا حق الفرد المواطن على المسئول المؤتمن.
هناك يا مدير عام المرور بالمملكة الكثير من الأشياء التي لها الكثير من الحالات والدلالات المهمة التي تستحق جدية الوقوف عندها وتأملها وإخضاعها للتشريح والقراءة، غير أنني لا أريد الإطالة، بغية فسح المجال لك لترينا كيف أن الحمامات تصبح جميلة ورشيقة وأنيقة حينما تبدأ التحليق والعبور.