الشمس رآها سيدنا إبراهيم عليه السلام تشرق فقال هذا ربي، هذا أكبر، ثم قال لا أحب الآفلين، بعد أن تيقن أنها تجري لمستقر لها بتقدير العزيز العليم،كانت الشمس رمزا للحياة وديمومتها في العصور البابلية والآشورية والأكدية والكلدانية، أما الشعاع الرباعي المنبعث من مركزها، فكان يرمز للجهات التي خضعت لسلطات الميزوبوتاميا قبل اكتشاف القارات الجديدة بآلاف السنين،كان أبناء حضارة الأزتيك يقدمون قلوب البشر كقرابين للشمس كي تشرق عليهم في الغد، أما نحن فقد تفطَّرت قلوبنا حزناً وألماً على احتراقها فوق رؤوسنا من دون أن نفكر باستثمارها، ومن دون أن نخطط لغدنا، ومن دون أن نطلق مشروعاً إسترتيجياً عملاقاً جديداً لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية التي لا تنضب عندنا مطلقاً، وذلك وفق برنامج مستقبلي متكامل لتأمين إمدادات الطاقة، وضمان ديمومة مصادرها المستمدة من الفضاءات الصحراوية الزاخرة بأشعة الشمس، ومن غير أن يمنعنا مخزوننا النفطي من تأجيل فكرة البحث عن الطاقة البديلة من منابعها الرخيصة، بل على العكس تماماً، لا بد أن نقطف ثمار الربح الكلي من الشمس كما النفط، إن الزيادة الجوهرية في معدلات استهلاك الكهرباء، تجبرنا على التوجه الفوري نحو الأساليب الحديثة، والاستعانة بالتقنيات الجبارة لتحرير الطاقة الشمسية بواسطة الخلايا الكهروضوئية، مما لا خلاف عليه، أنه بات بالإمكان تنفيذ مثل هذه المشاريع في كل مدينة أو قرية أو هجرة أو محافظة من بلادنا الشاسعة، فالأموال متوفرة والحمد لله، والشمس تشرق عندنا على مدار العام من الصباح إلى المساء، تتوهج في سماء بلادنا بحرارة صيفية تزيد على خمسين درجة مئوية في الظل، أغلب الظن أن أجواءنا الساخنة، الملتهبة بالحمم، ستتفوق في توليد الكهرباء على مجموع ما تنتجه محطات التوليد في الأقطار العربية كلها،كلنا يعرف مشروع (القرية الشمسية) في العيينة الذي تم عمله منذ سنين، وهي خطوة مباركة لإنتاج الطاقة الكهربائية من أفراننا الشمسية، لكنني اكتشفت فيما بعد، أنها مجرد عمل محدود لم يتمدد وفق نظرة شمولية وعامة، لتعلموا أن أوربا قرَّرت عبور البحر الأبيض المتوسط، وعقدت العزم على نقل معداتها الثقيلة إلى قلب الصحراء المغربية، في رحلة أسطورية للبحث عن الشمس في القارة الاستوائية السمراء، فوجدت ضالتها في مشروع (ديزيرتيك)، الذي سيتولى تجهيز أوربا كلها بالطاقة الكهربائية المستخلصة من بحر الشمس، ون ثم يجري ترحيلها بأسلاك عظيمة عبر البحار والجبال والهضاب الوعرة لتصل إلى المدن الأوربية بكلفة إجمالية تقدَّر بأربعمائة مليار يورو فقط، وسارت المملكة المغربية على المسار نفسه، فنشرت مراياها الشمسية في مناطق مأهولة بالسكان لضمان توفير إمدادات المياه اللازمة لتنظيف المرايا وتبريد المحركات. ثم تبعتها الجزائر في تنفيذ سلسلة من المشاريع الشمسية لتأمين حاجتها المستقبلية من الطاقة النظيفة، فمتى يأتي اليوم الذي نستثمر فيه الصحاري المتاحة في بوادينا العظيمة ومتى نباشر باستثمار الشمس التي طفح بها الكيل، ولم تعد تتحمّل تقاعسنا وإهمالنا وتخلفنا عن الركب العالمي، في أوربا هرعت الأقطار كلها نحو الصحراء الكبرى بحثاً عن الشمس، ونحن نستلقي على رمال الصحراء الواسعة الممتدة من شمال المملكة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، والشمس فوق رؤوسنا وبين أيدينا، لكننا نهرب من حممها، ونتقي حرارتها اللافحة ، دون أن نستثمرها بكثافة بلا حد كما استثمرها غيرنا بكثافة جبارة وبلا حد.