للمسجد مكانة خاصة في حياة الإنسان المسلم، وبخاصة في المملكة، التي أقامت نظامها الأساس على الكتاب والسنّة، ولهذا فالمسجد له دوره المركزي في حياة الإنسان السعودي، لكن للأسف مع الوقت بدأت هذه المركزية في التأثير تتراجع، لأسباب عديدة وكثيرة، لعل من بينها وجود اعتراض في المصالح، أو في المفاهيم، أو في وجود قيم جديدة في جيل الشباب الذي له ثقافته وأسلوبه وطريقة محاورته.
الكل يعرف الأرضية الطيبة الموجودة لدى كل مواطن، لكن المطلوب أن نستعيد مكانة المسجد في حياتنا ببعديها الاجتماعي والاقتصادي، بحيث يصبح المسجد نافذة لراحة النفس، ولتعديل وتصويب السلوك، وللمراجعة اليومية لكل مواطن ومسؤول، لأن مركزية المسجد ليس في أداء الصلوات الخمس فقط، وإنما في مركزية المضامين الكبيرة والجليلة التي تحث عليها الصلاة.
هذه المركزية، وهذا النظام الثابت للصلاة ومواعيدها وحضها على الوضوء، والنظافة، وعدم الغش، والخداع، واحترام الجار، وعدم أكل مال الناس بالباطل والوفاء بالعهود، هذه المركزية هي التي تصنع شخصيتنا وهويتنا، وتحفظ أمننا واستقرارنا الاجتماعي، بدلاً من الظاهرة الشكلية في الذهاب للمسجد، دون أن يكون للصلاة صلة بكل مناشط حياتنا اليومية، وسلوكنا الاجتماعي والاقتصادي، فالنظام الذي تعتمده الصلاة باعتبارها عامود الدين، هي أنها تستعيد الإنسان إن فقد الصواب، أو سلك طريقاً غير طريق الحق، وسلوك أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، بدلاً من أكل حقوق الناس وحلف الأيمان المغلظة بعدها.
لننظر إلى المساجد.. إلى العناية بها.. إلى تطوير دورها ليس العبادي فقط، بل مداخلها، ومخارجها، دورات المياه فيها، دور تحفيظ القرآن، الأنشطة التي يمكن القيام بها، للأسف فإن بعضها لا يسر، وفيه تناقض ورسالة النظافة التي حض عليها الإسلام، وحضت عليها الصلاة، لماذا بعض مساجدنا موحشة، وبعضها بلا عناية ورعاية، بينما بلدان إسلامية أقل حظاً منا فيها دور العبادة بمثابة دور فندقية من كثر الاهتمام بها.
فمن المحزن ويحز في النفس الإهمال الشديد لبيوت الله من بعض الذين لا يخافون الله، ولا يقومون بواجباتهم من أعمال تجاه المساجد خصوصاً عندما ترى دورات المياه في مساجدنا متهالكة وغير نظيفة وغير لائقة، أصبح الكثير من المساجد لا يرتقي لتطلعات المواطنين، بحيث لا يمكن لأحد أن يتوضأ في دورات المياه الموجودة فيها من سوء النظافة لذا يفترض أن يتم تعيين الإمام الصالح، والخطيب الواعي، والمؤذن الملتزم.
لم تقصر الدولة - حفظها الله - بوضع ميزانيات كبيرة للمساجد، فالوزارة تشرف مباشرةً على جميع مساجد المملكة ومسؤوليتها خدمة بيوت الله، ورعاية الأوقاف لكن الرقابة والمحاسبة ضعيفة وغير مقبولة، ولا يزال المواطنون في مختلف مناطق المملكة يشتكون من سوء نظافة المساجد، وإهمال الصيانة الخاصة بأجهزة التكييف والكهرباء والماء والفرش المتهالك وانتشار الروائح الكريهة في دورات المياه خصوصاً في مساجد الطرق السريعة التي لا تصلح للاستخدام ولا تليق ببيوت الله.
نتمنى أن يستعيد المسجد دوره الاجتماعي والاقتصادي، وأن يكون للمسجد دور تربوي واجتماعي وثقافي وإنساني، واقتصادي، وأن يكون هناك لجان للأحياء، وجمعيات تعاونية قد تنشأ لحل كثير من تعقيدات الحياة اليومية، بيسر وسهولة وتكافل وتعاون، ولا يمنع أن يكون للمسجد لجنة اجتماعية وثقافية واقتصادية، تسهم في حفظ الأمن والاستقرار، وتحصين شبابنا وتوعيتهم، وإشراكهم في قضايانا وفي الحلول والاستفادة من خبرات بعضهم، كما أدعو للنظر في أهمية ومركزية دور المسجد الروحي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي، حتى نجعل من بيوت الله مكاناً لائقاً ومريحاً ومعبراً عن رسالته.