هل سيتأثر الاقتصاد السعودي بأزمة الدَّين الأمريكية، ومعها دول الخليج؟ والجواب الطّبيعي: نعم ستتأثر اقتصادياتنا، كوننا ندفع ضريبة العولمة والتشابك الاقتصادي، فأمريكا متشابكة مع غالبية دول العالم اقتصاديًّا وأمنيًّا، ولهذا فإنَّ أزمة الدَّين الأمريكية سيكون لها انعكاساتها على دول العالم، ومنها دول الخليج والسعوديَّة التي وضعت معظم استثماراتها في السندات الأمريكية حيث سينعكس ذلك على حجم الطلب من النفط، ويُؤدِّي إلى هبوط أسعاره العالميَّة، وبالتالي يعيق تقدم المشروعات البترولية، والصناعيَّة في الدول المنتجة للنفط خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا يقول صناع الاقتصاد والمال السعودي في هذا الأمر؟
كثير من الاستشاريين الاقتصاديين يرون أن أزمة الديون الأمريكية تنذر بخطر، وكارثة اقتصاديَّة خطيرة، قد تتسبب في خفض الحكومة الأمريكية لنفقاتها، وقد يدفعها ذلك لخفض قيمة الدولار الذي فقد الكثير من قوته مقابل العملات الأخرى، وقد تضرب التنمية الاقتصاديَّة والاستثمارية في جميع أنحاء العالم، كما أنها قد تحدّ من تقدم المشروعات الصناعيَّة، والاستثمارية وقدرة الدول والحكومات على الوفاء بالتزاماتها، مثل الصين وأوروبا، ودول الخليج المنتجة للنفط وتزيد من القلاقل في بعض الدول التي تعاني من الكساد الاقتصادي.
أمريكا تعاني من مشكلة في نظامها السياسي الذي وصل إلى الذروة والاختناق، كما يشير إلى ذلك خبراء الاقتصاد الأمريكيون أنفسهم، فالفساد في عهد الحزبين انعكس على السياسات الاقتصاديَّة والماليَّة الأمريكيَّة، وأنتج مجموعة من السلوكات الخارجيَّة المشوّهة، من عسكرة للسياسة الخارجيَّة، إلى افتعال الأزمات الخارجيَّة، إلى الحروب الخارجيَّة الكارثية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وقد وضح للجميع بأن الاستفادة الكبرى تذهب للأحزاب الأمريكية والشركات المتحالفة معها.
ولهذا كان غالبية وزراء الخارجيَّة، أو الخزانة أو الأمن القومي أعضاء في مجالس إدارة هذه الشركات، وبالتالي هم يعملون لصالحها أولاً، ما جعل أمريكا تبدو وكأنها دولة فاشلة وخارجة عن القانون.
استطلاعات الرأي تؤكد أن نظام الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين تقاسما الإدارة والسياسة الأمريكية طيلة العقود الماضية ومصالحهم انعكست سلبًا على الهياكل والبنى المؤسساتية في الدَّوْلة الأمريكية، وغابت المهنية لصالح منظومة المصالح وجماعات الضغط الخاصَّة، فخرج النظام الاقتصادي عن طريقه وبدأت دورة الفساد السياسي تُؤثِّر حتَّى في سلوكية السياسة الأمريكية الخارجيَّة، وبدأت الحروب والتحالفات والاختلافات بين الأحزاب والتجمع الصناعي والعسكري وسقطت تدريجيًّا دولة القانون.
أمريكا بحاجة ماسَّة لإصلاح اقتصادي وسياسي يسهم في إعادة التوازن للجسم السياسي الأمريكي، ويضع قيم الدَّوْلة فوق قيم ومصالح الحزب، فكل التحليلات تؤكد على قوة الاقتصاد الأمريكي، إلا أنها تشير إلى وجود فساد وعوائق كبيرة أمام الإصلاحات الاقتصاديَّة بسبب عقم نظام الحزبين وفساده، لدرجة وصفه بنظام الشركة العائلية، وليس دولة المؤسسات والقانون التي ترغب أمريكا الحديث عنها.
الدرس الذي نتعلمه من هذه الأزمات التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي تستوجب علينا ألا نضع استثماراتنا (كخليجيين) في سلة واحدة مهما كانت علاقتنا مهمة مع أمريكا، وهذا يدعونا للتخطيط مستقبلاً لتنويع الاستثمارات وعدم التركيز على الدولار المتهاوي رغم أهميته وحيويته وعلينا أن نسعى إلى خلق تكامل اقتصادي خليجي أولاً من خلال التركيز على الاقتصاديات والاستثمارات المحليَّة، وإعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو الداخل، والاهتمام بالاقتصاديات العالميَّة الواعدة وبخاصة في آسيا.
ملخص القول: نحن شركاء في الاقتصاد العالمي وشركاء في أزماته، وهذا يوجب علينا إعادة النظر في جميع السياسات المالية، والاقتصاديَّة من قبل المشرفين على المال والنقد لدينا، والسعي إلى توجيه تلك الاستثمارات نحو الداخل، وذلك لحماية اقتصادنا والتخفيف من حدة انعكاس الأزمة المستوردة، إضافة إلى تنويع استثماراتنا العالميَّة، وعدم اقتصارها على الاقتصاد الأمريكي أو الغربي بالتحديد.