أن تستضيف المملكة ثلاثة ملايين حاج خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين، في منطقة واحدة بأمنهم وتحركهم اليومي بالرغم من لغاتهم وعاداتهم المختلفة، ومذاهبهم المتعددة، في مناسبة إسلامية لها مكانتها الروحية عند أي مسلم، تحتاج إلى فن في الإدارة، والتعامل
وتقديم الخدمة التي تعبر عن مكانة المملكة ودورها الإسلامي، فهذا الكم من البشر تعجز عن إدارته دول عظمى، لكن ومن حمد الله فإن تجربة المملكة في هذا المجال ناجحة بكل المقاييس، لا بل أصبحت علماً يدرس في أعرق الكليات الأمنية والعسكرية.
فالقدرة الإشرافية العظيمة لسمو وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا الأمير محمد بن نايف -حفظه الله- بتنظيم خطة حج هذا العام، والسيطرة على إدارة الحشود الهائلة أثناء موسم الحج في كل عام، يجعل المملكة أنموذجاً متميزاً في الإشراف المتميز، وخاصة في إدارة الحشود وفك الاختناقات، ومثال يحتذى به، ويستفاد منه من قبل الدول الأحرى. ولاة الأمر في المملكة -حفظهم الله-، يولون الجانب الإسلامي، اهتماماً خاصاً يشكل جوهر السياسة السعودية، ففي مكة المكرمة تجتمع قيادات ورموز ونخب من مختلف دول العالم الإسلامي وغالبيتهم يزور المملكة لأول مرة، فيستشعر القادم إلى المملكة أنها مختلفة، وأنها دولة تكرس جهدها لخدمة الإسلام والمسلمين، لا بل وعند لقائه بعض المشايخ ورجال الدين، يتأكد له عمق التسامح الديني الوسطي المعتدل الذي تمثله المملكة، ويصبح مدافعاً عن المملكة ويعتز بها وبمواقفها الإنسانية.
كثير هم غير المسلمين أسلموا عندما شعروا بطيبة التعامل، وطيبة الناس، واحترام الدين، فموسم الحج رسالة سلام للعالم أجمع، وفيه معان سامية ووحدة الإسلامية، حيث تسعى المملكة بكل قطاعاتها الأمنية على استقرار الحج، وتبذل الغالي والنفيس لتسهيل تأدية هذه الشعيرة العظمى بكل يسر وسهولة، وتضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الحجاج، حتى يكون حجهم مبروراً وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفوراً. والحج مؤتمر ديني يجتمع فيه المسلمون من كل بقاع الأرض، وفيه منافع اجتماعية وثقافية وسياسية، ورواج اقتصادي، وتنشط فيه التجارة، ويفد إلى الأماكن المقدسة ملايين المسلمين من العلماء وأصحاب الفكر، والثقافة والسياسة والاقتصاد، ومن الممكن الاستفادة من تواجدهم، وجعل الحج مناسبة إعلامية وثقافية واقتصادية عظيمة، وعقد الندوات معهم، لنشرها في بلدانهم لإبراز دور المملكة الإنساني، والإيجابي في خدمة الإسلام والمسلمين. فمكة المكرمة مختلفة في طقوسها وفي تنظيمها، وعملها كمدينة مقدسة وإسلامية، فالاختناقات والازدحام الذي يحصل فيها في هذه الأيام رغم العوائق الكثيرة، لتشعر العالم أن السعودية والسعوديين (غير) وأن رعايتهم للحرمين ومسؤوليتهم وأخلاقهم تمنعهم بأن تصبح الأمور فوضى واستغلالاً، والمطلوب من المواطنين والمقيمين التعاون مع الجهات الأمنية، لإنجاح موسم الحج هذا العام، لذا فإن التنظيم مسألة أساسية في مكة المكرمة وخاصة أيام الحج والعمرة التي تشهد ازدحاماً سنوياً لا تفيد فيه الحلول العاجلة. أخيراً، نشكر جميع من يساهم في أمن وسلامة الحجيج، وخاصة رجال أمننا البواسل على الجهود العظيمة التي يبدلونها، ممن يعطون صورة غاية في الروعة عن بلدنا، فالأمن من نعم الله العظيمة علينا، لا يدركها إلا من يعيش الفوضى وعدم الاستقرار، فرجال الأمن يحتاجون منا كل الدعم والتقدير، فهم حراس الوطن، والساهرون على أمننا واقتصادنا، لهم منا كل التحية لإعمالهم الجبارة في الأماكن المقدسة، والتي تشهد بها جهودهم العظيمة والمتميزة، مما جعل المملكة أقرب دول العالم إلى الفضيلة، وإلى الأخلاق الإسلامية الحميدة، وكل عام وأنتم بألف خير.