لم يعدْ الربيعُ في الذاكرة العربيَّة الجمعيّة ذلك الربيع «البحتري» الذي يختال ضاحكًا، بل تحوّل إلى فصلٍ سياسيٍّ يلهب المشاعرَ والعواطفَ بالكثيرِ من الآلام والآمال. شهادة ميلاد الربيع لم تكن عربيَّة المنشأ، بل ولد المصطلح خارج الحدود ليصبح أمرًا واقعًا لوصف الحالة، لكن تلك قصة أخرى.
مصطلح الربيع العربي والفلول والأنظمة والشرعيَّة باتت اليوم مصطلحات متحوِّلة كل طرف ينسبها إليه وينسب سلبياتها إلى خصمه. الحالمون في الربيع الأول هم مَنْ رسم حدود المصطلح وقيَّدوه باعتباره رمزًا لثورة الشُّعوب على الأنظمة القمعيّة الحاكمة . سطحوا الموقف باعتباره قضية بين طرفين لا ثالث ولا رابع ولا خامس لها. في مصر اليوم ربيعٌ ثانٍ، وشعوبٌ أخرى تتطلَّع إلى ربيع ثانٍ يخلف الأول وآخرون يحلمون باستعادة ربيعهم المفقود، بين أتون ربيعين أعتقد أن ربيعًا ثالثًا يعلّق لوحته على جدار الذاكرة العربيَّة اسمه ربيع الوعي، الذي يتجاوز لافتات التّغيير البرّاقة وشعارات الحُرِّية المطاطة. أدركت الشُّعوب العربيَّة أن من يزايدون على الحكومات في علاقاتها بالغرب واتفاقياتها أصبحوا أكثر وفاءً للحلم الغربي من أيّ طرف كانوا يكيلون له جملة الأوصاف وينعتونه بالسَّوْء أشكال العمالات. سنة واحدة كشفت كل المستور في أقبية العمل السري. العقلاء من أدركوا أن طبول الأجندات تقرع لتقود المنطقة العربيَّة إلى المذابح، لم يكن للصادقين والعقلاء أن يتركوا العربة بيد من يريد أن يقذف بها من أعلى جبال الأحلام والآمال العربيَّة المتعطشة للإصلاح حتَّى وإن كان من غير المصلح. هناك من لم تتجاوز أبصارهم وعقولهم جزءًا من الصورة التي أراد تجار العاطفة لهم أن يروها، ولذا لم يدركوا أن المعركة ليست في اعتصام ميدان أو شارع، بل في أجندة قوى تريد أن تصعد على أكتاف أحلام الشُّعوب لتحقق حلمها، الذي لن يدفع ثمنه إلا من يتم استثمارهم الآن لتحقيقه.
لن أطيل في سرد راوية اليوم التي سيكشف قادم الأيام فيها المستور ولات حين ندم، لكن أكثر ما يهمني اليوم هو اندفاع وأسئلة الذين لم يستطيعوا صبرًا، فكثيرٌ من المواقف ستجلَّى في حينها ليعرفوا مَنْ خرق السَّفينة ليمنع أصحاب الأجندات المغرضة من ركوبها وينقذ أهلها ممن باعها لأعدائهم في الشواطئ البعيدة!
عبر تويتر: fahadalajlan@