مع توصل الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية «الديمقراطي والجمهوري» مؤخراً إلى اتفاق لحل مشكلتي التوقف الجزئي لأعمال الحكومة الفيدرالية ورفع السقف الائتماني للدين الحكومي، كان من الطبيعي أن تتنفس الاقتصادات الكبرى الدائنة للولايات المتحدة الصعداء كنتيجة للمناورة السياسية التي كادت أن تودي بأكبر اقتصاد عالمي إلى حافة الإفلاس حيث يتفق جميع الاقتصاديين حول العالم على أن نتائجه كانت ستكون كارثية لولا لطف الله عز و جل.
ويبقى التساؤل مطروحاً: هل تجاوزت «أمريكا» مرحلة الإفلاس؟
الإجابة على هذا التساؤل هي «لا» بالتأكيد، بسبب أن الاتفاق الذي تم التوصل له قبل أيام هو اتفاق مؤقت لمشكلة متراكمة منذ عشرات الأعوام والطريق لا يزال طويلاً جداً لحل المشكلة أو للوصول إلى بوادر لحل المشكلة، فمنذ الستينيات الميلادية وحتى الآن كانت ولا تزال الحكومات المتعاقبة من كلا الحزبين تتوسع بشكل كبير في الإنفاق الحكومي بشكل يفوق الإيرادات، بينما كانت الحكومات تقوم بتغطية عجوزات الموازنة المتكررة كل عام بإصدار السندات بأنواعها المختلفة دون حسيب أو رقيب، اعتقاداً منهم بأن ذلك هو أسهل الحلول!!
لكننا اليوم نجد أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة تزيد على 75 بالمئة وإذا ما نظرنا إلى نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، فالصورة تبدو أكثر تدهوراً حيث تزيد عن 110 بالمئة، وكلا الرقمين يشيران إلى مستويات قياسية تقارب من أرقام الدول التي تتعرض في العادة إلى التعثر أو الإفلاس، مما يعني أنه بالرغم من الاتفاق ومن التحسن النسبي في بعض المؤشرات الاقتصادية إلا أن الخروج من هذا الوضع المالي الصعب سيحتاج إلى أعوام طويلة وإلى تنسيق مشترك للجهود بين كلا الحزبين، تماماً كما بدأت المشكلة ولكن بشكل معكوس.
وحتى نستطيع القول إنهم نجحوا في حل المشكلة أو على أقل تقدير في الوصول إلى بوادر لحل المشكلة، فلا بد أولاً من تحقيق فوائض في الموازنة بشكل متكرر كل عام وهذا لن يتحقق إلا من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي أو زيادة الإيرادات أو كلاهما معاً.. وبالرغم من بساطتها كحلول، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع صعب جداً في ظل المناورات السياسية التي تستغل أي محاولات لتخفيض الإنفاق أو زيادة الإيرادات لتحقيق مكاسب سياسية، وتكون المحصلة النهائية أن يبقى الوضع معلقاً في انتظار معجزة تنقذهم من حافة الإفلاس ويشبه إلى حد ما «كرة الثلج المتدحرجة» التي لا ندري أين ومتى ستقف؟