طبيعي أن تختلط مفاهيم ومسميات على البعض، وبخاصة الوافدون، وهم يعيشون في هذا الوطن المعطاء، ويشاطرون أبناءه (اليوم الوطني). قد لا تستوعب لأول وهلة حين يبادرك، مبروك
(عيد الاستقلال). مجرد تجاهل المخاطب، أو الاستفسار كان مثار استغراب! هل من المعقول أن تكون مثل تلك المناسبة غير حاضرة في ذهن الجميع، الصغير والكبير. طبيعي أن يزول التساؤل أو الاستغراب، حين يتضح أننا نحتفي لا كالعالم بـ(بعيد استقلال)، لأن بلدنا لم يطأه الاستعمار، بل نحتفي بذكرى التوحيد، توحيد الوطن جغرافيا، وتوحيد الوطن اجتماعيا، توحيد المقاصد والأهداف، احتفاء بالرموز التاريخية التي نقشت بزكي الدماء تاريخه الوضيء، تاريخه العابق، بقيادة المؤسس العبقري، الملك (عبدالعزيز بن عبدالرحمن).
* من باب الملاطفة لم نغفر له الزلة حينما يعبر عن تلك المناسبة بـ(العيد)، لأننا في عصر أنكرنا فيه المجاز، وجرمنا حتى الاستعارة بالتعبير. كن صريحا في التعبير إلى أبعد حدود الصراحة، حتى ولو كنت صادق النية، صافي السريرة. لا عيد عندنا سوى (عيدين).
* نشوة المجتمعات في أي مناسبة طبيعي أن يصحبها سلبيات، ومع ذلك في هذا العام لمسنا تحولا إيجابيا، بدأنا نشعر فيه بـ(الوعي الوطني)، تجاه ذكرى (التوحيد)، من ذلك حظر بعض أمراء المناطق جمع الأموال من المواطنين بطريقة غير مشروعة، بذريعة المشاركة في تلك الفعاليات. بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح، خطوة في الحفاظ على المال، العام والخاص، خطوة ستتلوها خطوات أخرى أكثر نضجا، وأبلغ أثرا على الوطن والمجتمع.
* الاحتكاك بتجارب الشعوب والمجتمعات الأخرى وتوظيفها تلك المناسبات، أو استثمارها بصورة إيجابية. كل هذه معطيات تجاهلناها، ويفترض الاستفادة منها، وبحثها في أكثر من مسار. في بلدنا كثيرا ما تتسابق المؤسسات والجهات الحكومية، وتحاول أن تثري منسوبيها وتطور من أدائها من خلال الاطلاع على تجارب البلدان الأخرى، عدا هذه المناسبة العزيزة، وأعني (اليوم الوطني) نصبح ونمسي منكفئين على أنفسنا، منطوين على ذواتنا، نكرر مراسم وأهازيج، وعادات وتقاليد دون أن نفسر سبب ذلك التقليد الصرف، أو الانغلاق الملحوظ؟ جميلة تلك، لكن التجديد والتطوير أجمل، ونحن به أجدر.
* وإن كان في ذلك خروج عن المألوف، سنسوق شذرات وطنية، تصور تجارب بعض الشخصيات التي احتفت بالاستقلال بعد أن عانت من نير الاستعمار، وعاشت ويلات التشرد، واكتوت بنار الفوضى، ولهيب الطائفية، فكانت شذراته تحمل أبعادا كبيرة للمتأملين، وللمزايدين على الوطنية، اللاهثين - من حيث لا يدركون - وراء سراب الحرية. يقول (القروي) تجاه مسقط رأسه (بلاد الشام): أبناء وطني: إذا اقتطع الاستعمار من هذا الوطن قطعة فكأنما أكلوا جارحة من جوارحي... وإذا أهدروا دما عربيا في لبنان، أو تطوان فكأنما شربوا جرعة من دمي... كل بلد من بلادنا أعده ساعدي المفتول... وكل شعب خامل من شعوبه بمثابة زندي المشلول... على قدر الشعور يكون الألم... ومن فقد الغيرة أنكر الغضب... علاقتي بمواطني تقوى وتضعف بقدر حبه للوطن، لا بقدر حبه لي...
* وعن أمجاد التاريخ العربي والإسلامي يصف تلك الأمة التي نشأت في يمينها قسطاس العدل، وفي يسارها نبراس الهدى، ومازالت تعطي باختيارها أضعاف ما أخذت بانتصارها، حتى ملأت دنيا الناس حكمة وفنا وعمرانا ورفاها، وعادت طيبة الخبر، جليلة الأثر، مبكية في تاريخ من فارقت، مشكورة في أعقاب من حكمت... وهكذا للتاريخ دورته وكبوته (من سره زمن ساءته أزمان).
* أعتقد أن مثل هذا الشعور الوطني الجارف هو الذي يجب أن نبني ثقافة التفاعل مع اليوم الوطني على هدي منه، أو بتعبير أدق أن نجعل الجيل يستشعر مسؤوليته تجاه وطنه، وتجاه مجتمعه، وتجاه أمته، يستوحي عظمة الحضارة العريقة التي خلدها الآباء والأجداد في عصر، وفي ظروف لا يتوافر لهم من مقومات البناء مثلما توافر لنا في هذا اليوم، هذا هو التحدي الأكبر لنا، كيف نستطيع توظيف المناسبة؟ ويبقى الشاهد (على قدر أهل العزم تأتي العزائم). بالعزيمة نستطيع الاستقلال بشخصيتنا، وبالعزيمة نستطيع أن نعتد كل الاعتداد بهويتنا، ووطنيتنا، بسعوديتنا التي نباهي بها.