* بعد مرور أكثر من عقدين على إنشاء (مجلس الشورى)، ومؤسسات حقوق الإنسان، الحكومي والمدني، وما تبع ذلك من تحديث وتطوير للأجهزة الرقابية، وإعادة هيكلية كبيرة لمؤسسات القضاء بكافة شعبها، بعد ذلك كله بدأت تظهر على المستوى الاجتماعي والوطني الآثار الإيجابية لتلك الخطوات الإصلاحية الكبرى والشاملة التي استهدفت تلك المؤسسات،
لهدف أساسي هو تحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل في هذا البلد الواعد، وخلق جيل جديد مسلح بالعلم والمعرفة، قادر على المنافسة مع من حوله.
* صحيح أن خطوات التطوير والتغيير ليست بتلك السرعة التي قد تكون تجاوزتنا بها دول لا تختلف في مناخاتها الاقتصادية بالذات عما هو لدينا، فاختزلت التغيير بإرادة عليا قوية في بضع سنوات محدودة، لكن من المتفق عليه أن لكل دولة وكل كيان عوامل أخرى ليست بالضرورة أن تكون اقتصادية، هذه العوامل بتجاذباتها كانت سبباً في التحكم بوتيرة التغيير لدينا، وفي بعض الأحيان سياسة التأني، والتروي والتخطيط المدروس له بعض الإيجابيات التي لا يدركها البعض إلا في ظل عوامل، أو حدوث تغييرات دولية مفاجئة على أكثر من محور.
* اليوم، في بلدنا المملكة العربية السعودية لا كالأمس، أصبح المواطن غير مسلوب الإرادة، حيث يستشعر قيمة وجوده، ويقطف ثمرة إحداث أو تطوير مؤسسات دولته التي أشرت إليها في مستهل المقال، أمست المطالبة بالحقوق الأساسية له من خلال مؤسسات الدولة، أو مؤسسات المجتمع المدني واقعا ملموسا، يمارسه الفرد بحرية تامة، ومن خلال أكثر من وسيلة، سواء كان ذلك بنفسه، أو من خلال المختصين في مكاتب المحاماة، أو بمساندة الجمعيات حديثة النشأة في مجتمعنا الفتي.
* الدولة، ومن منطلق واجباتها ومسؤولياتها وضعت ـ ومن أجل حفظ كافة حقوق جميع الأطراف - أنظمة، وسنت لوائح، وأصدرت تعليمات دقيقة لمثل تلك الإجراءات حتى لا يساء إلى مؤسسات الدولة، ولا تستغل للضغط على القائمين على هذه المؤسسات بدون وجه حق.
* على إثر ذلك، نرى الفئات المتضررة، سواء كان من قبل أشخاص، أو من قبل مؤسسات الدولة، ومن يمثلونها تطالب بشكل علني، وبكل شفافية تامة بحقوقها المهدرة، مادية، أو معنوية. هذه الثقافة التي بدأت تشيع بين أوساط المجتمع وتترسخ بين الناشئة ستترك أثرها الإيجابي إن نحن تعهدناها لأداء مؤسسات الدولة، وشركات القطاع الخاص ذات الصلة، وكل من له دور محوري في تقديم أي خدمة من الخدمات التي يكفلها النظام الأساسي للحكم المستمد من الشريعة الإسلامية للمواطنين بشكل عام .والمتفق مع الأنظمة الدولية بهيئاتها المختلفة.
* من الثابت أن هناك بطئاً في إجراء المقاضاة، ومن المؤكد كذلك أن هناك مماطلات وتلكأت، وتقصير في إجراءات المحاسبة، وقد يكون المواطن غير مستفيد في بعض الصور بشكل مباشر من مطالباته الحقوقية، باعتبار بعضها يذهب لخزينة الدولة، وربما جاءت النتائج بأقل من المتوقع، وربما ضاعت الحقوق في بعض الصور والحالات، لكن يبقى أننا أسسنا ثقافة حقوقية جديدة مناوئة لهضم الحقوق، ويبقى الباب مفتوحاً لدراسة وتطوير الإجراءات التي تسهل على كل مواطن يشعر بانتقاص حقوقه.
* سيكتمل عقد هذا المشروع الثقافي بطبيعة الحال إذا أدخلنا هذه الثقافة في مناهج التعليم، وحولناها إلى واقع تفاعلي، بحيث يصبحون قادرين على الدفاع عنها بكل ثقة واطمئنان، الأمر الذي سينتج عنه مع مرور الزمن استقرار اجتماعي لم نشهد له مثيل في تجربتنا المعاصرة، شريطة الاتزان والاعتدال، والحيادية التامة والإنصاف، ونحن نمارس هذه الثقافة، بشقيها العلاجي والوقائي.
* المستقبل في هذا البلد العزيز حافل بالمزيد من الإصلاحات والممارسات التي تحفظ حقوق المواطن، وتحفظ مكانته وكرامته التي كرمه الله بها حين استخلفه في الأرض، وحمله أمانة عمارتها بما ينفع دنياه وآخرته. هذا الاتجاه الإيجابي في ثقافتنا يحتاج من الثقة في النفس، وعدم استعجال النتائج، أو إساءة سقف الحرية التي منحنا إياها، في ظل حكومة قائد الإصلاح والتطوير، عبد الله بن عبد العزيز.
dr_alawees@hotmail.com