الطائف - د.نهاد البحيري(*)
يعاني الكثير من الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية من صعوبة استيعاب اللغة الإنجليزية على الرغم من أهميتها وسعة انتشارها كلغة عالمية يسهل بها التفاهم بين مختلف الأجناس والشعوب ممن تنوعت لغاتهم، كما تزداد أهميتها من حيث نشر جميع العلوم والمعارف بها وضرورة اكتساب الطالب الجامعي العربي لكل ما هو حديث ومتطور منها لإثراء ثقافته الجامعية التى يجب أن تمتد إلى ما هو أبعد من المقررات الدراسية. حتى تواكب أرقى وأحدث ما نشر في العلوم والتكنولوجيا والأدب والعلوم الإنسانية.
ولكن هذا الأمل ما زال بعيدا كلما استصعب طلابنا وطالباتنا دراسة اللغة الإنجليزية لكون اعتمادهم الأكبر يدور في محور ما يقدم لهم وما يترجم لهم، وليس ما يكتشفونه بأنفسهم من حقائق، وقد نتطرق في موضوع كهذا إلى ما أثير حول أهمية التعريب وضرورته وتجربة كثير من الدول له مثل ليبيا والعراق والسودان وثبوت نجاحه وكان الهدف منه هو الحفاظ على الهوية العربية.. وهذا أمر مشجع وجدير ببذل المزيد من الجهد من أجل نيله, ولكن المشكلة في عدم قدرة حركة التعريب على مواكبة حركة التطور العلمي واستيعابه الذي تكتشف فيه الحقيقة العلمية الجديدة والمعارف القيمة في كل لحظة. فالتعريب هام وضروري بالفعل للحفاظ على هويتنا العربية ولغة القرآن ولكن حركته بطيئة بالنسبة لحركة تقدم العلوم وسرعتها.
الهوية العربية
ولكن رغم هذه الضرورة المتناهية في أهمية التعريب فإن دراسة اللغة الإنجليزية والاهتمام بإتقانها قد يشكل ضرورة ماسة لشبابنا في الجامعات المختلفة للدارسين للعلوم المعربة، فهذه الدراسة للغة الإنجليزية في واقع الأمر ومع شيء من التمعن نجدها ليست ضد حركة التعريب ولا ضد اللغة العربية أو تعريب العلوم بل على النقيض فهي تخدمها وتقف في صالحها. فبدلا من أن ينتظر شبابنا كل فترة ما يعرب من العلوم الحديثة لدراسته أو للاستفادة منه كاطلاع وثقافة يمكننا أن نعطيهم المفتاح ونعلمهم كيفية استخدامه بتعلمهم اللغة تعليما يسمح بالبحث العلمي كل فيما يخدم تخصصه ومصطلحاته، ويقومون هم بالبحث بأنفسهم واكتشاف المزيد من التقدم الذي يحدث لحظة بلحظة في كل مجالات المعرفة وكيف يفكر العالم من حولنا لكي يتقدم.
ومن المهم ألا يقتصر تعليم اللغة الإنجليزية على المتخصصين فقط بل الهدف منه أن يتقنها الجميع بهدف البحث عن الجديد والمتطور كل في مجاله، وليكن ذلك تحت إشراف الأستاذ الجامعي الذي يقيم ما توصل إليه الطلاب ويربط بينه وبين المستوى الدراسي والمقرر الجامعي، والأهم من ذلك أن يعرض كل طالب ما توصل إليه بعد استحسان الأستاذ الجامعي على زملائه للاستفادة العامة لتعم الفائدة وينتشر العلم والتقدم لحظة بلحظة بين الشباب الجامعي في كل المجالات.
ولتقدم هذه المعارف الحديثة باللغة العربية بعد فهمها جيدا بالإنجليزية فهما يتميز بالأصالة والموثوقية وذلك لالتقاء الطالب الجامعي ومواجهته للمصدر الأصلي للمعرفة واكتشافه لها بنفسه مما يرسخها في الأذهان وبهذا لا تكون العلوم مجرد تلقين ويكون الطالب الجامعي مجرد متلق, فعند بحثه أصبح يأخذ دورا جديدا سوف يبدع فيه. والمهم ان نضع أيدينا على المشكلة الأصلية التي تعوق مثل هذا الانفتاح العلمي ألا وهي مواجهة الطالب الجامعي الكثير من الصعوبات في إتقان الإنجليزية.
استطلاع
وفي استطلاع لرأي بعض طلاب وطالبات الجامعة غير المتخصصين في اللغة الإنجليزية عن أهميتها وموقفهم بالنسبة لها في بداية تعليمهم الجامعي، انقسموا إلى فريقين اتفق الفريق الأول على أن اللغة الإنجليزية صعبة ومزعجة وأنهم لم يلاقوا الرعاية الكافية في تعلمهم لها في السنوات الدراسية السابقة وأنهم يخشون من التعثر فيها وأن تكون هي السبب في التأخر الدراسي وانخفاض المعدل رغم تفوقهم في تخصصهم. أما الفريق الثاني فقد سلم بأهمية اللغة الإنجليزية وضرورتها كأداة لاكتشاف العلوم والمعارف الحديثة إلا أنهم يعانون من صعوبة كبيرة في فهم المعاني ونطق الكلمات الجديدة كما أكد البعض قدرته على القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية مع معاناته من عدم القدرة على إدارة حوار بها, ورغم ذلك تمنوا تواجد الظروف المناسب التي تجعلهم متمكنين من اللغة للاستفادة منها في كافة المجالات.
ويبشرنا الفريق الثاني من شبابنا ببريق من الأمل، أما الفريق الأول فعليه أن يفهم كيف أن اللغة هي مهارة مكتسبة وليست فطرة وأن كل مهارة لها أصولها والعوامل التي تساعد على إتقانها مثلها مثل السباحة وقيادة السيارة وغيرها من المهارات العادية، فلا أحد يستطيع قيادة سيارته دون تعلم كيفية تشغيل السيارة وقواعد المرور من حوله فكلاهما متكاملان ولا يقوم أحدهما بمفرده وإلا يحدث نوع من الخلل في إنجاز مثل هذه المهارة.
ولقد أجريت العديد من الدراسات التي تؤمن بعدم إدخال تعليم الإنجليزية للصغار حتى لا يختلط عليهم الأمر وتتأثر لغتنا الأم مثل الدراسة التي أجراها الباحث عبد الله بن سالم الشهري في مجلة جامعة الملك سعود بعنوان: تدريس اللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية: لمن؟ ومتى؟ وكيف؟.. والحقيقة أنه لا تناقض بين هذه الدراسة وبين ضرورة تعليم اللغة الإنجليزية للكبار فخطورة تدريس الإنجليزية التي تؤثر في الهوية العربية تتعلق بالصغار وليس بالكبار, فبعد أن رسخنا هويتنا وأتقنا لغة القرآن علينا أن نتقن اللغات الأجنبية لنتعلم الجديد والمتطور في كافة العلوم والمعارف.
مهارات اللغة
فتعلم اللغة الإنجليزية مثل أي لغة أخرى في العالم يتطلب أربع مهارات أساسية لإتقانها وهي مهارات القراءة والكتابة والتحدث والاستماع. فإذا أردنا دراسة اللغة فعلينا إحداث نوع من التوازن والتقارب بين هذه المهارات الأربع, ويلاحظ أنه أي خلل في مهارة من مهارات اللغة ينتج عنه عيب في إتقانها او تعلمها. فنحن نقرأ العربية ونكتبها ونتحدث بها في كل وقت ونستمع إليها كذلك طوال الوقت كما أن لدينا الخلفية اللغوية الكافية التي تجعلنا نفهم كل ما يدور حولنا من أحاديث مهما كان الموضوع، وهذا التمكن يحدث لأنها اللغة الأم التي أحاطت بنا من كل الجهات منذ أن ولدنا. فلا مقارنة بين اللغة الأم وأي لغة أخرى، ولن يستطيع أجنبي إتقان لغتنا الأم إلا إذا عاش بيننا منذ الصغر، والعكس صحيح أن الطفل العربي إذا عاش في دولة أجنبية منذ الطفولة قبل أن يتم عشر سنوات نجده يكتسب تلك اللغة الأجنبية ويتحدث كأهلها تماما إذا استمر بينهم ويسمى هذا باكتساب اللغة أما ما يتعلق باللغة في المدارس فهو تعلم للغة وليس اكتسابا لأن الاكتساب يكون في الطفولة فقط حينما يكون الجانب المعرفي المتعلق بتعلم اللغة للطفل غير ناضج بعد فهو قابل لاكتساب اكثر من لغة أما بالنسبة للبالغين فقد اكتملت ونضجت لديهم الناحية المعرفية المتعلقة باكتساب اللغة، فالرأي القائل بضرورة عدم إدخال اللغات الأجنبية على تعليم الأطفال ينبثق من هذه النظرة.
وأكبر دليل على اكتساب اللغة الأم في أي دولة بدون تلقين أن الطفل الرضيع لا يتكلم لعدم نضج أعضاء التكلم لديه ولكنه عندما يحدث هذا النضج يتحدث العربية بطلاقة إذا وجد في دولة عربية ويتحدث الإنجليزية بطلاقة إذا وجد في دولة تتحدث الإنجليزية وهكذا, والسبب هو أنه يكتسب اللغة التي تدور مهاراتها من حوله وليس مهارات لغة أخرى.
أين يكمن الحل؟
يكمن حل مشكلة تعلم اللغة الإنجليزية بالنسبة للكبار في التركيز على المهارات الأربع ومحاولة تحقيق التوازن بينها، فمن السهل إتقان مهارتي القراءة والكتابة للكثيرين، فقد يقضي الطالب ساعات يوميا يقرأ ويكتب الإنجليزية من أجل تعلمها وقد يتقنها بالفعل, ولكن إذا رجعنا إلى رأي الطلاب في الاستطلاع تجدهم يعانون من عدم القدرة على الحوار وفهم الجديد من المعاني بمعنى أن هناك مهارات لم تأخذ حظها لعدم وجود المناخ الكافي لتحقيقها. لذا فمن أراد إتقان اللغة الإنجليزية بالفعل بعد أن أتقن نصف مهاراتها وهي القراءة والكتابة فعليه أن يجتهد في تحقيق النصف الآخر من المهارات الأربع بمحاولة الاستماع إلى نشرات الأخبار أو محادثات مسجلة أو غيرها وكذلك محاولة التحدث بالإنجليزية لبعض الوقت مع من يرغب في تعلم اللغة مثله ويعاني من نفس الظروف وبذلك يتحقق التكامل والتوازن بين مهارات اللغة ونسعى إلى إتقانها وتحقيق الفائدة المرجوة منها, فالمعرفة الحديثة قد لا تكون مكتوبة فحسب بل قد تكون مسموعة أيضا.
(*) ماجستير في الترجمة
* دبلوم ترجمة لغة الأمم المتحدة - الجامعة الأمريكية بالقاهرة * دبلوم تربوي تخصص طرق تدريس اللغة الإنجليزية وعلم نفس النمو - جامعة طنطا - مصر
rana_saad2002@hotmail.com