* إعداد - وليد الشهري
يمكننا القول بأن القرن الماضي كان من أفظع القرون التي مرّت على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص ارتكاب الجرائم ونوعها والتي تخطت في معظمها كافة الأخلاقيات والطبيعة البشرية ببشاعتها. ولعل ثورة الموسيقى والتقنية والأفلام في ذلك الوقت ساعدت في إثراء العقول المريضة للمجرمين مما أدى إلى وجود العديد من القتلة المتسلسلين والذين سعوا للشهرة من خلال أعمالهم الشنيعة. وبما أننا نتحدث عن القرن الماضي فقضيتنا لهذا الأسبوع ستتمحور في الثمانينات من القرن الماضي عندما تفشت العديد من الجرائم التي حيّرت المحققين حينها وأثارت الفزع والهلع بين سكان مدينة لوس أنجليس الأمريكية.
بدأ الأمر في الثامن والعشرين من يونيو سنة 1984م عندما قام لص بإيقاف سيارته خارج مبنى للشقق السكنية بضاحية غلاسيل بارك بمدينة لوس أنجليس وكان اللص يبحث عن أي شيء ثمين يمكن أن يسرقه ويوفر له جرعة جيدة من المخدرات. ولأن الجو كان حاراً في تلك الفترة من السنة كان من الصعب عليه إيجاد نافذة مفتوحة يمكنه من خلالها الدخول إلى إحدى الشقق بسهولة وبعد بحث مضن وجد ضالته في نافذة تابعة لشقة سيدة عجوز تدعى جيني فينكو (79 عاماً) وبعد بحثه المضني في أرجاء الشقة بخفة عالية بحيث أن السيدة العجوز التي كانت نائمة في غرفة نومها بجوار المجرم لم تشعر بوجوده أبداً فطيلة وجوده في الشقة كان مراعياً لحركاته حتى لا يلفت الانتباه إليه ويفضح وجوده. ويبدو أن عدم إيجاده لشيء ذي قيمة قد أثار الغضب في داخله فتوجه مباشرة إلى غرفة السيدة العجوز ووقف عند رأسها ينظر إليها لبرهة من الزمن قبل أن يسل سكين صيد كانت بحوزته وينهال على صدرها بالطعن. استيقظت العجوز على الألم الفظيع الذي أحست به وبعد عدة طعنات وبعد أن تعب المجرم من الطعن قام بوضع يده على فمها لإسكاتها ومن ثم قام بنحرها ومن ثم ببشاعة لا يمكن وصفها قام بالاعتداء جنسياً على ضحيته ليرتكب أولى جرائمه وتبدأ بعدها مشاهد القتل التي سترعب الملايين. وفي وقت متأخر من ذلك اليوم اكتشف ابن العجوز المسكين جثة أمه غارقة في دمائها فقام بإبلاغ الشرطة التي لم تكن لتستطيع أن تفعل شيئاً؛ فالمجرم كان محتاطاً بحيث لم يجدوا بصمة واحدة أو أي أثر لدمه.
ميدالية المفاتيح تنقذ الضحية
وفيما ما زال المحققون يتخبطون في حل لغز الجريمة السابقة وبعد أقل من سنة وبالتحديد في السابع عشر من شهر مارس سنة 1985م قام المجرم الذي فيما يبدو أحس بإثارة جريمته الأولى في البحث عن طريدته الجديدة فقام بالاختباء قرب أحد مواقف الطرق السريعة ولم يمض وقت طويل حتى وقفت سيارة تابعة لشابة تدعى ماريا هيرنانديز (20 عاماً) التي تفاجأت بانقضاض المجرم عليها من العتمة وترجته أن يبقي على حياتها بعدما شاهدت المسدس بيده ولكن المجرم وجَّه فوهة مسدسه وأطلق النار مباشرة على رأسها. وفي ردة فعل طبيعية من هيرنانديز قامت برفع يدها لحماية وجهها فأصابت الرصاصة ميدالية المفاتيح التي بيدها لتحرف مسارها وتنقذ حياتها من موت محقّق. وتظاهرت هيرنانديز بالموت طيلة الوقت ولكن رفيقتها التي تفاجأ بوجودها المجرم لم تكن أسعد حظاً، حيث تلقت دايلي أوكازاكي (34 عاماً) طلقة مباشرة في رأسها لتسقط جثة هامدة ويلوذ المجرم بعدها بالفرار. ولكن هذه المرة أسقط قبعته في مسرح الجريمة، وعند وصول السلطات إلى موقع الحادثة وجدوا ماريا في صدمة شديدة ولم تكن شهادتها في وصف القاتل دقيقة فكل ما أستطاع المحققون أن يعرفوه عن المجرم هو أنه طويل وقاتم البشرة وأسنانه رديئة ومتهالكة وعيناه متباعدتان كما أنها تقول إنه ربما يكون لاتينياً. وعلى الرغم من هذه المواصفات إلا أن ماريا عجزت عن إعطاء المحققين وصفاً أدق للحصول على رسم تقريبي لوجه المجرم.
وفي هذه الأثناء كان المجرم غاضباً من فشله في عمليته الأولى وفقدانه لقبعته في مسرح الحادث فماذا كان الحل في رأيه؟ الحل تمثَّل عند هذا المجرم بعد أقل من ساعة على جريمته الأولى بالاعتداء على تساي ليان يو (30 عاماً) وقام بكل بساطة بسحبها من سيارتها وأطلق عليها عدة طلقات من سلاحه لمجرد أن ينفس عن غضبه ومن ثم فرَّ بسيارته بعيداً عن الأنظار.
المجرم يثور دون أن يجد من يوقفه
وبعد أسبوعين تقريباً في السابع والعشرين من شهر مارس قام القاتل باقتحام منزل تابع لفينست زازارا (64 عاماً) وزوجته ماكسين (44 عاماً) ليجد الزوج فينست نائماً على الأريكة وفي لمح البصر قام بإطلاق النار على رأسه ليموت في لحظتها ولكن زوجته لم يكن حظها بنفس حظ زوجها الجيد، حيث قام المجرم بإطلاق النار عليها ثلاث مرات قبل أن يهم بطعنها عدة طعنات وبعد أن سئم من كثرة الطعن قام بنحت بعض الرسوم على جلدها بسكينه ومن ثم قام لنهب المنزل وقبل خروجه عاد ليضع بصمته البشعة على جثة السيدة فينست ليقتلع عينيها من رأسها. بعد هذه الجريمة توقف المجرم مدة أطول قبل أن يضرب من جديد، حيث قام باقتحام منزل الزوجين هارولد وو(65 عاماً) وزوجته جين (56 عاماً) وفيما كان يهم بدخول غرفة نومهما قام القاتل بشحن مسدسه استعداداً لإطلاق النار وقتل ضحيتيه ولكن هذه الحركة أصدرت صوتاً قوياً لفت انتباه السيد هارولد الذي أنقض إلى المنضدة بجوار سريره لإخراج مسدسه ولكن القاتل كان أسرع فأطلق عليه طلقة أصابته فوق شفته العليا ليسقط على الأرض وعندما حاول القاتل إطلاق رصاصته الثانية علق مسدسه فقام بركل ولكم السيد هارولد حتى فقد وعيه وتوجه بعد ذلك لزوجته جين ليكبلها بالسرير بعد أن قام بضربها بوحشية وبعدها قام بنهب ما يريد ثم لاذ بالفرار. عندها أستيقظ السيد هارولد بأعجوبة وقام بالاتصال بالشرطة وصرخ طالباً النجدة لثوان معدودة قبل أن يغمى عليه مجدداً ، ولم ينج السيد هارولد تلك الليلة فقد توفي وهو في طريقه للمستشفى، أما زوجته جين فكانت في صدمة شديدة . بعد أن قامت الشرطة بمقارنة بصمات الأرجل التي وجدت في الحديقة والرصاصات التي أطلقها المجرم على ضحاياه تأكدت الشرطة أن القاتل هو نفس الشخص في القضايا السابقة ليتأكدوا عن يقين بأنهم يواجهون قاتلاً مجنوناً لن يقف عند هذا الحد، بل سيستمر.
(القاتل المتربص)
عنوان لفت انتباه أرجاء البلاد
عنوّنت صحيفة لو أنجليس تايمز صفحتها الأولى في صباح اليوم التالي ب (القاتل المتربص) وبعد أن أطلعت العامة على حقائق الأمور دبّ الفزع والخوف في أرجاء ولاية كاليفورنيا ومدينة لوس أنجليس التابعة لها. بعدها استمر القاتل في عملياته البشعة يقتل ويغتصب ضحاياه ومن كان ينجو منهم ينقل عن هذا المجرم العربيد بأنه يعتقد بأن الشر يحميه وبأنه يريد الموت. من خلال هذه الأقوال تأكدت الشرطة بأنها تتعامل مع شخص غير متزن ومن الممكن أن يقوم هذا المختل بأي شيء فكان عليهم العمل أسرع للقبض عليه. وبعد عدة جرائم له خاف المجرم فهرع على بلدة جنوب لوس أنجليس وهناك كان يتربص في يوم من الأيام في سيارة تويوتا برتقالية كما ذكر شاهد اشتبه في أمره عندما رآه يتجول في الحي فقام بالإبلاغ عنه وبعد أن قامت الشرطة بفحص لوحة السيارة عرفت بأنه تم بالإبلاغ عن سرقتها وبعد فترة وجدت مهجورة في أحد الأزقة بالبلدة وبعد فحصها تم العثور على عدد من البصمات تعود إلى شخص يدعى ريتشارد أو ريكاردو راميريز ليكتشف رجال المحققين أخيراً هوية القاتل الذي أتعبهم طيلة السنتين الماضيتين. قامت الشرطة بعدها بنشر صوره في كافة الصحف وفي كافة القنوات الوطنية. وعندما عاد راميريز إلى لوس أنجليس في محاولة لتجديد نشاطه لم يكن يعلم بأن كل شخص في الولايات المتحدة يبحث عنه. ولسخرية الموقف كان راميريز في مقاطعة مشهورة بعصابات لاتينية شرقي المدينة في محل للكحول وعندما كان يتلذذ بمشروبه صرخت سيدة في المحل قائلة (إنه هو.. إنه القاتل المتربص) عندها وقف كل من كانوا بالمحل فهرع راميريز خارجاً وركض لعدة أمتار وعندما حاول سرقة سيارة للهروب قبضت عليه المافيا اللاتينية هناك وأمسكوا به وقاموا بضربه بماسورة حديدية قبل أن تأتي الشرطة لتنقذه من أيديهم. دبت السعادة في أرجاء المدينة بعد التأكد من القبض على القاتل المتربص. وفي محاكمة استمرت شهرين وأحداث مثيرة قتل فيها أحد أعضاء لجنة المحلفين وقام فيها راميريز بالافتخار علانية بديانته الشيطانية حكم عليه ب 19 حكماً بالإعدام. وهو الآن ينتظر تنفيذ الحكم في زنزانة انفرادية بسجن سان كوينتن بولاية كاليفورنيا الأمريكية.