لا أحد يجهل أهمية العلاقات الدولية، أو تغيب عن ذاكرته حقيقة أن التواصل وتعميق التعاون الثنائي بين الدول يأتي ضمن أولويات بناء الثقة وترسيخ المصالح المشتركة والضرورية بينها.
بل أذهب إلى أكثر من ذلك فأقول: إن دولة بلا تميز في علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة، وبلا تفاهم ومد جسور من التلاقي مع الدول ذات التأثير في السياسات والقضايا الدولية، هي دولة بلا قيمة ولا أهمية وخارجة عن منظومة الدول المعتبرة.
* * *
والمملكة إذ يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى كل هذه المساحة الواسعة من التميز في تعاونها وتفاهمها وتبادل المصالح المشتركة مع غيرها من الدول، إنما يأخذ بالمنحى الصحيح الذي لا تقدم عليه ولا تقوم به إلا الدول الكبيرة في رسم سياساتها ضمن توجه حكيم أعطاها كل هذا الاعتبار المقدر والمحترم والمميز من المجتمع الدولي بمؤسساته وأممه ودوله.
وفي هذا الإطار، وفي حدود هذا الاستيعاب لأهمية العلاقات الدولية، ظل الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أن كان ولياً للعهد حريصاً - كل الحرص - على أن تكون المملكة دائماً محل تقدير الدول الأخرى، وأن تكون حاضرة وفي جاهزيتها لإبداء كل تعاون يخدم بلادنا وأشقاءنا وجميع أصدقائنا.
* * *
وليست مصادفة أن يكون هذا هو توجه الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهذه البلاد منذ أن وحدها الملك عبد العزيز - رحمه الله - لم تأخذ بغير هذه السياسة منهجاً لها، ولم تفكر بغيرها، ولا يوجد في أجندة حكامها غير هذا الإيمان العميق المبني على مد يد التعاون والتكاتف وتبادل المصالح المشتركة مع جميع قوى وشعوب ودول العالم.
وما زيارة خادم الحرمين الشريفين لدول مهمة في قارة أوروبا التي جاءت إسبانيا محطته الأولى وهو في طريقه اليوم إلى فرنسا ثم بولندا بعد مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية، إلا حلقة في سلسلة زيارات كثيرة جاب فيها دول العالم، بحثا عن السلام والعدل والتفاهم على ما يرسخ القيم والمصالح بين دول العالم، بعيداً عن الصراعات والاقتتال وإشعال الفتن وممارسة الأعمال الإرهابية التي لا خير ولا مصلحة ولا فائدة ترجى منها.
* * *
ولعل في الكلمتين البليغتين المتبادلتين بين ملكي المملكتين - السعودية وإسبانيا - ما يعزز سلامة هذه القراءة المتواضعة عن العلاقات الدولية، وصولاً إلى العلاقات السعودية - الإسبانية التي أخذت خطاً بدأ يتواصل بالصعود إلى الأعلى في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الاقتصادي المشترك، ودون أن يغفل البلدان دورهما في الإسهام بتجنيب دول العالم من تداعيات وآثار القضايا الساخنة، بما في ذلك الأوضاع في منطقتنا وسبل الخروج من نفقها المظلم.
ففي كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز إشارات واضحة على تقديره لدور إسبانيا في تعاملها مع القضية الفلسطينية وموقعها المعتدل والمنصف منها، وحرصها على إيجاد حل عادل لها منذ استضافتها لمؤتمر مدريد للسلام، في ذات القصر الذي أقام به ملك إسبانيا حفل العشاء لضيفه الكبير، وتبادل معه الكلمات الأخوية المليئة بالصدق والدفء، وحرارة المحبة بين شعبي المملكتين الصديقتين.
* * *
كما أن الكلمة التي ألقاها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس ترحيباً بخادم الحرمين الشريفين لم تخرج عن السياق ذاته، من حيث التقدير العالي لمكانة المملكة العربية السعودية وملكها عبد الله بن عبد العزيز، وتذكيره الحضور على أهمية التعاون السعودي - الإسباني المشترك، وما انتهى إليه من توصل إلى اتفاقات في أكثر من مجال تم إبرامها العام الماضي خلال زيارة ملك إسبانيا للرياض واستكمل أمس توقيع المزيد منها خلال زيارة الملك عبد الله الحالية لمدريد.
ومثلما رأينا في الزيارات التاريخية السابقة لكثير من الدول، فإن الملك عبد الله لا يكتفي بالتركيز على التعاون الثنائي المشترك الذي يمس مصلحة البلدين فقط، وإنما نجده يعطي جانباً من اهتمامه ومن وقت الزيارة في السعي لإفادة الدول الأخرى من العلاقات السعودية المتميزة مع أصدقائها، وبخاصة قضية فلسطين، وبقية القضايا الساخنة المعلقة دون حل في كثير من دول منطقتنا.
* * *
لقد أشار العاهل الإسباني إلى الوضع المأساوي في فلسطين في الكلمة التي ألقاها بحفل العشاء، وإلى سداد الرأي لدى الملك عبد الله بن عبد العزيز وجهوده الحثيثة الرامية إلى حلحلة الوضع المعقد، والعودة إلى طريق السلام والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مشيراً إلى المبادرة العربية للسلام التي طرحها الملك عبد الله في مؤتمر القمة العربي في بيروت وتم التأكيد عليها في القمة العربية في الرياض.
وهي إشارات تقيم مكانة المملكة ووزنها السياسي على مستوى العالم، ما يعني أننا لم نقل عن بلادنا وعن مليكها عبد الله بن عبد العزيز بأكثر مما يقوله الآخرون، وبالتالي فإن إسهامات المملكة والأدوار التي تلعبها لإطفاء الحريق في القضايا المعقدة، إنما يأتي كل ذلك تتويجاً لثقة الآخرين بمكانتها وحكمتها ونزاهتها ومقدرتها على التفكير بحلول قابلة للتنفيذ.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244