لا تحتاج وسائل الإعلام الأمريكية إلى مبرر ولا ذكرى لكي تهتم بما يجري في العراق بعد أن جعل قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش منذ أربع سنوات بغزو العراق من هذه الدولة التي تبعد آلاف الأميال عن أمريكا شأنا محليا بالنسبة للأمريكيين الذين يشاهدون يوميا نزيف خسائرهم المادية والبشرية في بلاد الرافدين.
ولكن مع حلول الذكرى الرابعة لغزو العراق نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية تحليلا بقلم هيلينا كوبانا وهي كاتبة وناشطة سياسية أمريكية معنية بقضايا الشرق الأوسط تحت عنوان (كيف يرى المحللون العرب الحرب في العراق؟!) يقول التحليل:
لا يتوقع أغلب صناع القرار السياسي والخبراء الاستراتيجيون في العالم العربي أن يؤدي قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بزيادة عدد قوات الاحتلال في العراق إلى أي تحسن في الأوضاع هناك وأن أفضل نتيجة يمكن أن تحققها هذه الخطوة هي مجرد تأجيل مرحلة الانهيار الأمني الكامل في العراق لبعض الوقت. في الوقت نفسه يشعر هؤلاء المسؤولون والخبراء بالقلق من احتمالات انتشار موجة العنف الدائرة في العراق إلى باقي أنحاء الشرق الأوسط.
وتتابع هيلينا كوبان قائلة: خلال حواراتي المطولة مؤخرا مع الخبراء الاستراتيجيين في مصر والأردن وسوريا بالإضافة إلى عراقيين على اطلاع وثيق بمجريات الأمور في بلادهم رغم إقامتهم بالأردن سمعت الكثير عن أن انهيار العراق له تأثير كبير على باقي المجتمعات العربية.
في الوقت نفسه فإن الأنباء التي تصلني من أصدقائي مسؤولي المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في العراق تبدو غائمة جدا. فقد كان هناك أشخاص أيدوا الغزو الأمريكي للعراق على أساس حقوق الإنسان وبعد الغزو بدؤوا يعملون بمنتهى الجدية من أجل إقامة نظام ديموقراطي وقانوني جديد في العراق يضمن حقوق الإنسان لكل العراقيين ولكنهم الآن أصيبوا بخيبة أمل بسبب الأخطاء الهائلة التي ارتكبها الأمريكيون في العراق. كما يتحدث هؤلاء الأشخاص عن حالات مروعة لانتهاك حقوق الإنسان والطائفية التي تؤثر سلبيا على كل إنسان في العراق.
وقد سألت واحدا من هؤلاء الأصدقاء، تضيف الكاتبة، عن تصوره للموقف إذا غادرت القوات الأمريكية العراق في المستقبل القريب فقال: هناك احتمال أن يؤدي خروج القوات الأمريكية من العراق في المستقبل القريب إلى تركيز جهود أغلب العراقيين على البحث عن مخرج لأزمتهم. أما في حالة بقاء الأمريكيين بالعراق فمن المنتظر استمرار الموقف المتدهور. وقد كان هذا الصديق موجودا في الأردن لزيارة قصيرة تستغرق عدة أيام لكنه يعتزم العودة مرة أخرى والبقاء فترة أطول. فبعد أربع سنوات من محاولة بناء مؤسسات عامة قوية في العراق يبدو أن الرجل فقد الأمل وقرر الانضمام إلى نحو مليوني عراقي غادروا بلادهم واضطروا للحياة في الدول المجاورة منذ بدء الحرب الأمريكية ضد العراق.
موجات ارتدادية
وتقول هيلينا كوبان: الحقيقة أن الكارثة السياسية والاجتماعية في العراق أرسلت بموجات ارتدادية عنيفة إلى الدول العربية الأخرى أيضا. ففي القاهرة تحدث كبار المحللين في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن حقيقة أن العرب ظلوا ولسنوات طويلة ينظرون إلى العراق باعتباره خط الدفاع الأول عن العالم العربي في مواجهة الطموحات التوسعية للإيرانيين في الشرق. ولكن هذا الخط الدفاعي انهار الآن وأصبحوا يرون أن النفوذ الإيراني يتمدد ويتعمق في العراق وأصبح يمثل تهديدا مباشرا للاستقرار في العديد من الدول العربية وبخاصة دول الخليج.
كما تحدث هؤلاء المحللين عن التهديدات الأخرى التي تشعر بها مصر والدول العربية جراء انهيار العراق بما في ذلك انتشار الفوضى الإقليمية وتنامي النزعة الطائفية. ولعل أكثر ما يثير الفزع في العديد من العواصم العربية على وجه التحديد عودة آلاف المتشددين الذين يحاربون الاحتلال الأمريكي حاليا في العراق إلى بلادهم وقد اكتسبوا مهارات كبيرة في العمل العسكري السري وتشبعوا بالأفكار شديدة التطرف التي تنتشر حاليا وبخاصة في المناطق السنية غرب العراق التي تخضع تقريبا لسيطرة الجماعات المسلحة سواء العراقية أو غير العراقية.
كما يتحدث أيضا الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن سيناريوهات ما بعد الخروج الأمريكي من المستنقع العراقي في المستقبل القريب حيث يتوقع هؤلاء الخبراء أن ينسحب الأمريكيون من العراق خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهرا بغض النظر عن نجاح واشنطن في التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين أم لا.
ويشير الدكتور عبدالمنعم سعيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن مثل هذا الاتفاق بين واشنطن وطهران يمكن أن يكون مجرد تنسيق عسكري بين الجانبين أو (صفقة كبرى) بين الجانبين تقود إلى تسوية كل القضايا الخلافية بين البلدين بما في ذلك قضية البرنامج النووي الإيراني ودور إيران في منطقة الشرق الأوسط الكبير. ومن المؤكد أن أي اتفاق أمريكي إيراني سيكون له تداعياته الخطيرة على المنطقة ككل وعلى الأوضاع العالمية بشكل عام.
في الوقت نفسه فإن الانتشار الكبير للقوات الأمريكية في العراق تحول من كونه عنصر قوة للولايات المتحدة إلى نقطة ضعف تحد من قدرة واشنطن على الضغط أو المناورة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي لبنان يقول المفكر الاستراتيجي حسين أغا: في هذه اللحظة يتطلع كل جيران العراق إلى بقاء القوات الأمريكية غارقة في المستنقع العراقي ولا يريدون لها الانسحاب قريبا. فبالنسبة لبعض الدول يجعل الوضع الراهن من الصعب على الولايات المتحدة مهاجمة هذه الدول. وبالنسبة للبعض الآخر فالموقف الراهن أفضل من حالة الفوضى العارمة التي ستصيب العراق وربما المنطقة في حالة الانسحاب الأمريكي.
والحقيقة أن تقييم حسين أغا يبدو مقبولا. فبعد أربع سنوات من الحرب يبدو قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بغزو العراقي أشبه بقرار رئيس الوزراء البريطاني الراحل أنطوني إيدن بغزو مصر عام 1956 فيما عرف بحرب السويس أو العدوان الثلاثي على مصر. فالخلاصة التي يمكن الوصول إليها من القرارين هو أن اللجوء إلى القوة العسكرية في التعامل مع أي قضية دون تفكير كاف يؤدي إلى تراجع قدرة القوة الاستعمارية على ممارسة نفوذها.
وتختم الكاتبة مقالها بالعودة إلى السؤال الذي لا يمل الجميع من تكراره، حسب رأيها، وهو كيف يمكن الخروج من المأزق العراقي وتقليل المخاطر الناجمة عن ذلك إلى أدنى مستوى؟! وقد كان هناك شبه اتفاق بين الذين تحدثت إليهم الكاتبة في الدول العربية على حاجة الولايات المتحدة الملحة إلى إقامة علاقات مباشرة مع إيران كوسيلة أساسية لتهدئة التوتر المشتعل داخل وحول العراق.
كما يرى هؤلاء الأشخاص أن هناك ارتباطا واضحا بين النفوذ الأمريكي في المنطقة ككل والسياسة الأمريكية تجاه الفلسطينيين. وتؤكد هذه الأصوات العربية بقوة على أن تحقيق تقدم ملموس في اتجاه التسوية النهائية للقضية الفلسطينية يمكن أن يساعد بشدة الولايات المتحدة في التعامل مع الموقف الصعب داخل وحول العراق. وقد أصبح الفلسطينيون والزعماء العرب مستعدين أكثر من أي وقت مضى لإجراء محادثات سلام جادة مع الإسرائيليين وهم يتساءلون عما إذا كان لدى واشنطن رؤية واضحة بالفعل لعملية السلام من أجل تحقيق هذا التقدم.
