استوقفني خلال إحدى زياراتي لتونس ذلك الاهتمام غير العادي الذي يصل إلى حد المبالغة في إعداد التجهيزات وتوفير الإمكانات للسياحة التي لم تصل أعداد السياح بعد إلى العدد المُرضي وبالقدر الذي يتمنون استقطابه..
صحيح أن أعداداً كبيرة من الأوروبيين ودول أجنبية أخرى تطرق أبواب تونس وعلى مدار العام للاستمتاع بأجوائها والتمتع بدفئها وخضرتها..
وأن هؤلاء يجدون في تونس ما لا يجدونه في غيرها لو حرَّكوا بوصلة اتجاههم إلى دول أخرى بقصد إمضاء وقت للسياحة فيها..
غير أن هذا بنظرنا لا يكفي في ظل اختفاء أو غياب السائح العربي والخليجي - تحديداً - الذي ينفق الكثير من المال على تسوّقه وسياحته في أي دولة يختارها وجهة له من أجل هذا الهدف.
* * *
ربما أن لتونس وجهة نظر وقراءة مختلفة تتكئ على تخطيط للمستقبل وبأكثر مما هو للحاضر بما لم يتبيَّن لنا خلال زياراتنا لتونس من حين لآخر..
ولا بأس أن تسبق تونس في استعداداتها وتجهيزاتها لتوفير المناخ الاستثماري في مجال السياحة ما هو مطلوب لتنفيذه بعد سنوات من الآن، وتهيئته للراغبين قبل أن يحل موعده بسنوات، أقول لا بأس في ذلك إذا ما كان هذا الاستنتاج أو التوقّع صحيحاً، وعلينا عندئذٍ أن نحيي الإدارة التونسية ونهنئها على هذا التوجّه السليم..
لكن ما أخشاه أن تكون التجهيزات للسياحة في الفنادق والمصحات ومجالات الترفيه - وهي بهذا الحجم الكبير والتنظيم الحسن الذي رأيته- معرضة للتقادم وعدم الاستفادة منها الاستفادة القصوى التي يتطلع إليها التونسيون بسبب غياب محفِّزات الترغيب للقبول بالسياحة التونسية..
ولعله من باب التذكير ليس إلا أن أقول: إنني وقفت على شيء كثير من الإمكانات الكبيرة المهيَّأة للسائح خارج العاصمة التونسية، ولكنها كانت بلا حركة أو نشاط أو حضور معقول، وقلت لمن تحدثت إليه وتحدث معي من المسؤولين: إن السياحة في تونس لا يمكن أن تبلغ النجاح المنشود ما لم يتم افتتاح خطوط نقل جوية منتظمة ومن جميع المطارات السعودية الرئيسة بين تونس والمملكة وبين تونس وبقية دول الخليج، مع إيجاد مناشط سياحية جاذبة ومشجعة في ظل وجود هذه التجهيزات لتفضيل تونس سياحياً على غيرها.
* * *
إن تونس بلد آمن ومستقر، ويتمتع بفرص كثيرة مغرية لأن يقضي المرء إجازته في تونس مطلاً على البحر الأبيض المتوسط وبالقرب من الدول الأوروبية، مع أنها الآن ليست بأفضل حالاً مما كانت عليه من قبل جذباً وإغراءً وقبولاً من السائح العربي برغم كل تجهيزاتها واستعداداتها الكبيرة، إلا أن تكون انطباعاتي في غير محلها، وبخاصة إذا ما تبين أن الأرقام والحقائق الرسمية المسجلة تقول ما يخالف مشاهداتي التي أكتبها اعتماداً على ما تحتفظ به ذاكرتي عن السياحة هناك من آخر زيارة لي إلى تونس وكانت قبل ثلاث سنوات مضت.
* * *
أكتب هذا عن تونس لأذكِّر مَنْ يعنيه أمر السياحة في دولنا العربية، أن متطلبات السياحة كثيرة، وأن الوصول إلى تحقيق إنجازات ونجاحات في ميادينها يجب أن يسبقه عمل كثير وتخطيط مسبق، وأن الرهان على النجاح لا يكفيه التوسع في التجهيزات ما لم يصاحب ذلك تسهيل وتوفير لوسائل الوصول إلى الأماكن المستهدفة وبالأوقات التي تناسب هؤلاء السائحين، ضمن متطلبات أخرى كثيرة لا تغيب عن أذهان المخططين لمواسم سياحية ناجحة.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244