الرحمة قوة وليست بضعف، لأنّ الرحيم يُعطي من فيض نفسه من يحتاجون إلى رحمة، ولا تملك النفسُ فيضاً تُعطيه إلا وهي ممتلئة تستغني عن جزء من ذخيرتها لإسعافِ غيرها وليس هذا من شيمةِ الضعفاء.
لو قلنا إن القسوة عجز وليست قوة لما أخطأنا الدليل على ذلك من طبائع الأحياء التي عهدت فيها الضراوة وخلت طبائعها من الرحمة وما يماثلها.
وكل بطش فهو إلى القوة الآلية أقرب منه إلى الخصال النفسية والملكات العقلية. فالفرقُ يسير بين صدمة الحجر وضربة الوحش من هياجه فهي - أي القسوة - أدنى الوسائل التي لا وسيلة دونها، ثم تترقى وسائل الأحياء درجة بعد درجة حتى يكون استغناؤها عن القسوة بمقدار ارتقائها في تلك الدرجات.
ومن ثم يصح أن يُقال إن القسوة عجز وفقدان وسيلة وإنها من البدائيات التي توشك أن تلحق بالآلة والجماد.
ويميز العقادُ بين الرحمة وبين الاضطراب الجسدي الذي يعجز صاحبه عن احتمال المؤلمات والمشقات فيبكي.. إلخ. فهذه ليست رحمة، بل ضعف أما الرحمة فهي قوة لأنها حماية لضعف الآخرين.