مدينة محفورة في الصخور، أقامها الأنباط العرب قبل أكثر من ألفي عام، وظلت شاهداً على المعجزة البشرية التي تخرج المدن من بطون الجبال.
وقد فازت البتراء في الاستفتاء الذي أجري في العام 2007م لتكون إحدى عجائب الدنيا السبع.
المدينة الوردية
يعرفها زائروها والقارئون عنها باسم (المدينة الوردية) نسبة إلى لون الصخور التي شكلت بناءها الفريد، وهي مدينة أشبه ما تكون بالقلعة، وقد كانت عاصمة لدولة الأنباط.
تقع البتراء على بعد 262 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان، وهي واحدة من أهم مواقع الجذب السياحي في الأردن، حيث تؤمها أفواج السياح من كل بقاع الأرض، ويأتيها الباحثون عن تجليات التاريخ الإنساني، والراغبون باستحضار العصور الغابرة، في رحلة تختلط فيها المتعة بالمعرفة.
وما تزال البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة، يمتطي زائروها ظهور الخيول والجمال، ليدخلوا المدينة في رحلة ترسخ في الذاكرة طوال العمر.
يصل الزائر إلى قلب البتراء سيراً على الأقدام، أو ممتطياً صهوة جواد، أو راكباً في عربة تجرها الخيول، ويمر عبر (السيق)، ذلك الشق الصخري الرهيب الذي يبلغ طوله أكثر من 1200 متر، وترفع حوافه الصخرية إلى 80 متراً. وعندما يصل السيق إلى نهايته، فإنه يحني في استدارة جانبية، ثم تتبدد الظلال لتظهر أعظم الآثار روعة.. الخزنة، إحدى عجائب الكون الفريدة، وهي المحفورة في الصخر الأصم على واجهة الجبل. ويلمع خصرها الوريد تحت ضوء الشمس.
التاريخ
إن البتراء تراث خلفه الأنباط، ذلك الشعب العربي المجد الذي استقر في جنوب الأردن قبل أكثر من ألفي سنة. سيطر الأنباط من محطة القوافل المستترة تلك على طرق التجارة في بلاد العرب قديماً، حيث كانوا يفرضون المكوس ويأوون القوافل المحملة بسلع عربية كاللبان والمر المستعملين كبخور وبالتوابل والحرائر الهندية والعاج وجلود الحيوانات الأفريقية.
وعندما كانت المملكة النبطية في أوج قوتها امتدت إلى دمشق وشملت أجزاء من صحراء سيناء وصحراء النقب، فكانت بذلك تحكم فعلاً الجزء الأكبر من بلاد العرب. وأصبحت البتراء محط الإعجاب الواسع بثقافتها الرفيعة وأسلوب بنائها المهيب وما في شبكة سدودها وقنواتها المائية من إبداع، ولكن في نهاية الأمر رأت روما في نفوذها وازدهارها المتزايدين تهديداً لها، فالحق الامبراطور تراجان، في سنة 106م، المملكة النبطية بالامبراطورية الرومانية جاعلاً منها ولاية عربية تابعة لها وعاصمتها البتراء. ولكن ما كاد الرومان يسيطرون على طرق التجارة ويحولونها صوب بصرى في سوريا اليوم، حتى كان انحطاط البتراء سريعاً ولا مناص منه.
المدينة المفقودة
وبحلول القرن السادس عشر كانت البتراء قد فقدت تماماً بالنسبة للغرب، وبقيت كذلك حوالي 300 سنة. ثم وفي عام 1812، اقنع مغامر سويسري يدعى (جوهان بوركهارت) دليله البدوي أن يأخذه إلى موقع المدينة التي أشيع أنها مفقودة وقد كتب في ملاحظاته ورسماته التي كان يدونها سراً (يبدو محتملاً جداً أن تكون الخرائب الموجودة في وادي موسى هي بقايا البتراء القديمة).
وبالرغم من اكتشاف البتراء من قبل بوركهارت، لم تحدث الحفريات الأولى فيها للتنقيب عن الآثار إلا في عام 1924، تحت إشراف المدرسة البريطانية للآثار من قبل فرق أردنية واجنبية مناطق مختلفة من المدينة من تحت الأرض مما بصرنا إلى حد بعيد بحياة سكانها القدماء وتأتي جاذبية البتراء في الكثير منها من موقعها المذهل في أعماق ممر ضيق فإنك، ابتداء من مدخلها الرئيسي، تسير في الشق، أو السيق. وإذ تواصل طريقك بين جداري الجرف، تمر بنقوش بلغات قديمة، وغرف مقطوعة في الصخر ومنحوتة في ثنيات الحجر الرملي.
ويظهر شكل دراماتيكي في نهاية السيق أشهر أثر من آثار البتراء، ألا وهو (الخزنة) وليست هذه الواجهة الشاهقة التي استخدمت في سلسلة اللقطات الأخيرة للفيلم السينمائي (إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة) سوى أول أسرار البتراء ذلك أنك كلما مشيت وتسلقت تكتشف مئات المباني والواجهات والأضرحة والحمامات والرسومات الصخرية والصور البارزة المنتشرة في كل مكان. وتجد فيها مسرحاً يتسع لـ7000 شخص من أيام المسيح، وضريح قصر على النمط الروماني، وديراً ضخماً من القرن الأول الميلادي، وما كان يعتقد أنه المعبد المتواضع لهارون، شقيق موسى، والذي يقع على قمة جبل هارون.
الخزنة
إن أول لمحة تلتقطها عيناك للخزنة عندما تصل فجأة إلى نهاية السيق هي فعلاً شيء مثير وكان يعتقد أن الجرة القابعة في أعلى هذا الصرح الضخم الباقي تحتوي على كنوز لا تعد ولا تحصى من الذهب والجواهر الثمينة، ومن هنا أتى اسم الصرح. إن واجهة الخزنة مستوحاة من أسلوب البناء الهليني الكلاسيكي، ويبلغ عرضها 30 متراً وارتفاعها 43 متراً، ويعتقد بعض العلماء أن الخزنة، التي نحتت في القرن الأول للميلاد كضريح لأحد ملوك الأنباط، قد استعملت فيما بعد كمعبد.